{ أسباب السموات } بيان لها ، وفي إبهامها ثم إيضاحها تفخيم لشأنها وتشويق للسامه إلى معرفتها .
{ فَأَطَّلِعَ إلى إله موسى } بالنصب على جواب الترجى عند الكوفيين فإنهم يجوزون النصب بعد الفاء في جواب الترجى كالتمني ؛ ومنع ذلك البصريون وخرجوا النصب هنا على أنه في جواب الأمر وهو { ابن } كما في قوله
: يا ناق سيري عنقا فسيحا *** إلى سليمان فنستريحا
وجوز أن يكون بالعطف على خبر لعلي بتوهم أن فيه لأنه كثيراً ما جاءنا مقرورنا بها أو على { الاسباب } على حد
. ولبس عباءة وتقر عيني *** وقال بعض : إن هذا الترجي تمن في الحقيقة لكن أخرجه اللعين هذا المخرج تمويهاً على سامعيه فكان النصب في جواب التمني ، والظاهر أن البصريين لا يفرقون بين ترج وترج . وقرأ الجمهور بالرفع عطفاً على { أَبْلُغُ } [ غافر : 36 ] قيل : ولعله أراد أن يبني له رصداً في موضع عال يرصد منه أحوال الكواكب التي هي أسباب سماوية تدل على الحوادث الأرضية فيرى هل فيها ما يدل على إرسال الله تعالى إياه ، وهذا يدل على أنه مقر بالله عز وجل وإنما طلب ما يزيل شكه في الرسالة ، وكان للعين وأهل عصره اعتناء بالنجوم وأحكامها على ما قيل .
وهذا الاحتمال في غاية البعد عندي ، وقيل : أراد أن يعلم الناس بفساد قول موسى عليه السلام : إني رسول من رب السماوات بأنه إن كان رسولاً منه فهو ممن يصل إليه وذلك بالصعود للسماء وهو محال فما بني عليه مثله ، ومنشأ ذلك جهله بالله تعالى وظنه أنه سبحانه مستقر في السماء وان رسله كرسل الملوك يلاقونه ويصلون إلى مقره ، وهو عز وجل منزه عن صفات المحدثات والأجسام ولا تحتاج إلى ما تحتاج إليه رسل الملوك رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام ، وهذا نفي لرسالته من الله تعالى ولا تعرض فيه لنفي الصانع المرسل له ، وقال الإمام : الذي عندي في تفسبر الآية أن فرعون كان من الدهرية وغرضه من هذا الكلام إيراد شبهة في نفسي الصانع وتقريره أنه قال : إنا لا نرى شيئاً نحكم عليه بأنه إله العالم فلم يجزا إثبات هذا الإله ، أما أنا لا نراه فلأنه لو كان موجوداً لكان في السماء ونحن لا سبيل لنا إلى صعود السماوات فكيف يمكننا أن نراه ، وللمبالغة في بيان عدم الإمكان قال : { ياهامان ابن لِى صَرْحاً } [ غافر : 36 ] فما هو ألا لاظهار عدم إمكان ما ذكر لكل أحد ، ولعل لا تأبى ذلك لأنها للتهكم على هذا وهي شبهة في غاية الفساد إذ لا يلزم من انتفاء أحد طرق العلم بالشيء انتفاء ذلك الشيء ، ورأيت لبعض السلفيين إن اللعين ما قال ذلك إلا لأنه سمع من موسى عليه السلام أو من أحد من المؤمنين وصف الله تعالى بالعلو أو بأنه سبحانه في السماء فحمله على معنى مستحيل في حقه تعالى لم يرده موسى عليه السلام ولا أحد من المؤمنين فقال ما قال تهكماً وتمويهاً على قومه ، وللإمام في هذا المقام كلام رد به على القائلين بأن الله تعالى في السماء ورد احتجاجهم بما أشعرت به الآية على ذلك وسماهم المشبهة ، والبحث في ذلك طويل المجال والحق مع السلف عليهم رحمة الملك المتعال وحاشاهم ثم حاشاهم من التشبيه ، وقوله : { وَإِنّى لاَظُنُّهُ كاذبا } يحتمل أن يكون عني به كاذباً في دعوى الرسالة وأن يكون عني به كاذباً في دعوىأن له إلهاً غيري لقوله : { مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إله غَيْرِى } [ القصص : 38 ]
وكذلك } أي ومثل ذلك التزيين البليغ المفرط { زُيّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوء عَمَلِهِ } فانهمك فيه انهماكا لا يرعوى عنه بحال { وَصُدَّ عَنِ السبيل } أي عن سبيل الرشاد ، فالتعريف للعهد والفعلان مبنيان للمفعول والفاعل في الحقيقة هو الله تعالى ، ولم يفعل سبحانه كلا من التزيين والصد إلا لأن فرعون طلبه بلسان استعداده واقتضى ذلك سوء اختياره ؛ ويدل على هذا أنه قرئ { زُيّنَ } مبنياً للفاعل ولم يسبق سوى ذكره تعالى دون الشيطان .
وجوز أن يكون الفاعل الشيطان ونسبة الفعل إليه بواسطة الوسوسة ، وقرأ الحجازيان . والشامي . وأبو عمرو { وَصُدَّ } بالبناء للفاعل وهو ضمير فرعون على أن المعنى وصد فرعون الناس عن سبيل الرشاد بأمثال هذه التمويهات والشبهات ، ويؤيده { وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلاَّ فِى تَبَابٍ } أي في خسار لأنه يشعر بتقدم ذكر للكيد وهو في هذه القراءة أظهر ، وقرأ ابن وثاب { وَصُدَّ } بكسر الصاد أصله صدد نقلت الحركة إلى الصاد بعد توهم حذفها ، وابن أبي إسحق . وعبد الرحمن بن أبي بكرة { وَصُدَّ } بفتح الصاد وضم الدال منونة عطفاً على { سُوء عَمَلِهِ } ، وقرئ { وَصُدُّواْ } بواو الجمع أي هو وقومه .
والقصد منه لعلي أطلع { إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبًا } في دعواه أن لنا ربًا ، وأنه فوق السماوات . ولكنه يريد أن يحتاط فرعون ، ويختبر الأمر بنفسه ، قال الله تعالى في بيان الذي حمله على هذا القول : { وَكَذَلِكَ زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ } فزين له العمل السيئ ، فلم يزل الشيطان يزينه ، وهو يدعو إليه ويحسنه ، حتى رآه حسنًا ودعا إليه وناظر مناظرة المحقين ، وهو من أعظم المفسدين ، { وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ } الحق ، بسبب الباطل الذي زين له . { وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ } الذي أراد أن يكيد به الحق ، ويوهم به الناس أنه محق ، وأن موسى مبطل { إِلَّا فِي تَبَابٍ } أي : خسار وبوار ، لا يفيده إلا الشقاء في الدنيا والآخرة .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{أسباب السماوات} يعني أبواب السماوات...
{فأطلع إلى إله موسى} ثم قال فرعون لهامان: {وإني لأظنه} يعني إني لأحسب موسى.
{كاذبا} فيما يقول: إن في السماء إلها.
{وكذلك}: وهكذا {زين لفرعون سوء عمله} أن يطلع إلى إله موسى.
{وصد عن السبيل}: وصد فرعون الناس حين قال لهم: ما أريكم إلا ما أرى فصدهم عن الهدى.
{وما كيد فرعون إلا في تباب}: وما قول فرعون إنه يطلع إله موسى إلا في خسار.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وقال فرعون لما وعظه المؤمن من آله بما وعظه به وزجره عن قتل موسى نبيّ الله وحذره من بأس الله على قيله أقتله ما حذره لوزيره وزير السوء هامان:"يا هامانُ ابْنِ لي صَرْحا لَعَلّي أبْلُغُ الأسْبابَ" يعني بناءً...
"لَعَلّي أبْلُغُ الأسْبابَ "اختلف أهل التأويل في معنى الأسباب في هذا الموضع؛ فقال بعضهم: "أسباب السموات": طرقها...
وقال آخرون: عُني بأسباب السموات: أبواب السموات...
وقال آخرون: بل عُني به مَنْزِل السماء...
وقد بيّنا فيما مضى قبل، أن السبب: هو كلّ ما تُسَبّبَ به إلى الوصول إلى ما يطلب من حبل وسلم وطريق وغير ذلك.
فأولى الأقوال بالصواب في ذلك أن يقال: معناه لعلي أبلغ من أسباب السموات أسبابا أتسبب بها إلى رؤية إله موسى، طرقا كانت تلك الأسباب منها، أو أبوابا، أو منازل، أو غير ذلك...
وقوله: "وَإني لأَظُنّهُ كاذِبا" يقول: وإني لأظنّ موسى كاذبا فيما يقول ويدّعي من أن له في السماء ربا أرسله إلينا.
وقوله: "وكَذَلكَ زُيّنَ لِفَرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ" يقول الله تعالى ذكره: وهكذا زين الله لفرعون حين عتا عليه وتمردّ، قبيح عمله، حتى سوّلت له نفسه بلوغ أسباب السموات، ليطلع إلى إله موسى...
وقوله: "وَما كَيْدُ فِرْعَوْنَ إلاّ في تَبابٍ" يقول تعالى ذكره: وما احتيال فرعون الذي يحتال للاطلاع إلى إله موسى، إلا في خسار وذهاب مال وغبن، لأنه ذهبت نفقته التي أنفقها على الصرح باطلاً، ولم ينل بما أنفق شيئا مما أراده، فذلك هو الخسار والتباب.
النكت و العيون للماوردي 450 هـ :
{فأطَّلعَ إلى إله موسى وإني لأظنه كاذباً} فيه قولان:
أحدهما: أنه غلبه الجهل على قول هذا أو تصوره.
الثاني: أنه قاله تمويهاً على قومه مع علمه باستحالته، قاله الحسن.
{وما كَيْدُ فرعون إلا في تبابٍ} فيه وجهان:
الثاني: في ضلال، قاله قتادة. وفيه وجهان:
أحدهما: في الدنيا لما أطلعه الله عليه من هلاكه.
الثاني: في الآخرة لمصيره إلى النار، قاله الكلبي...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
" وما كيد فرعون إلا في تباب "يعني في هلاك. والتباب الهلاك بالانقطاع، ومنه قوله "تبت يدا أبي لهب "أي خسرت بانقطاع الرجاء...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{وكذلك زين} أي إنه كما تخرق فرعون في بناء الصرح والأخذ في هذه الفنون المقصرة كذلك جرى جميع أمره.
التفسير القيم لابن القيم 751 هـ :
قرأ أهل الكوفة {وصد} على البناء للمفعول، حملا على {زين} وقرأ الباقون «وصد» بفتح الصاد، ويحتمل وجهين:
والثاني: يكون صد ومنع غيره، فيكون متعديا، والقراءتان كالآيتين لا يتناقضان...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
لما كان من جملة إرادته بذلك مع إيقاف قومه إلى وقت ما عن المتابعة أن يخيلهم بأن يقول: طلعت فبحثت عما قال موسى فلم أقف له على صحة، قدم لهم قوله مبيناً لحاله إذ ذاك لما ظن من ميل قلوبهم إلى تصديق موسى عليه السلام: {وإني لأظنه} أي موسى.
{كاذباً} فترك الكلام على احتمال أن يريد في الرسالة أو في الإلهية.
ولما كان هذا أمراً عجيباً، وهو كون أحد يظن أنه يخيل للعقول أنه يصعد إلى السماء، وأن الإله الذي هو غني عن كل شيء وقد كان ولا شيء معه يكون في السماء، أو في محل من المحال، فإن كل حال في شيء يحتاج إلى محله، وكل محتاج عاجز ولا يصلح العاجز للإلهية، لو لم يجئ عن الله لما كان أهلاً لأن يصدق، فكان التقدير: عمله فرعون لأنا زيناه له، عطف عليه زيادة في التعجيب:
{وكذلك} أي ومثل ذلك التزيين العظيم الشأن اللاعب بالألباب.
ولما كان الضار هو التزيين لا المزين الخاص، بناه للمفعول فقال: {زين} أي زين المزين النافذ الأمر، وهو لله تعالى حقيقة بخلقه وإلزامه؛ لأن كل ما دخل في الوجود من المحدثات فهو خلقه، والشيطان مجازاً بالتسبب بالوسوسة التي هي خلق الله تعالى.
{لفرعون سوء عمله} في جميع أمره، فاقبل عليه راغباً فيه مع بعده من عقل أقل ذوي العقول فضلاً عن ذوي الهمم منهم فضلاً عن الملوك، وأطاعه فيه وقومه
{وصُد عن السبيل} أي التي لا سبيل في الحقيقة غيرها، وهو الموصلة إلى الله تعالى ولما كان هذا السياق بحيث يظن منه الظان أن لفرعون نوع تصرف، نفى ذلك بقوله: {وما كيد} واعاد الاسم ولم يضمره لئلا يخص بحيثية من الحيثيات فقال: {فرعون} أي في إبطال أمر موسى عليه السلام {إلا في تباب}.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(وإني لأظنه كاذباً).. هكذا يموه فرعون الطاغية ويحاور ويداور، كي لا يواجه الحق جهرة، ولا يعترف بدعوة الوحدانية التي تهز عرشه، وتهدد الأساطير التي قام عليها ملكه. وبعيد عن الاحتمال أن يكون هذا فهم فرعون وإدراكه. وبعيد أن يكون جاداً في البحث عن إله موسى على هذا النحو المادي الساذج. وقد بلغ فراعنة مصر من الثقافة حداً يبعد معه هذا التصور، إنما هو الاستهتار والسخرية من جهة. والتظاهر بالإنصاف والتثبت من جهة أخرى. وربما كانت هذه خطة للتراجع أمام مطارق المنطق المؤمن في حديث الرجل المؤمن! وكل هذه الفروض تدل على إصراره على ضلاله، وتبجحه في جحوده: (وكذلك زين لفرعون سوء عمله، وصد عن السبيل).. وهو مستحق لأن يصد عن السبيل، بهذا المراء الذي يميل عن الاستقامة وينحرف عن السبيل...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
انتصب {أسباب السماوات} على البدل المطابق لقوله: {الأسباب}.
والاطّلاع بتشديد الطاء مبالغة في الطلوع، والطلوع: الظهور. والأكثر أن يكون ظهوراً من ارتفاع، ويعرف ذلك أو عدمُه بتعدية الفعل فإن عُدي بحرف (على) فهو الظهور من ارتفاع، وإن عُدي بحرف (إلى) فهو ظهور مطلق...
وجملة {وَإنِّي لأظُنُّه كاذبا} معترضة للاحتراس من أن يظن (هامان) وقومه أن دعوة موسى أوهنت منه يقينَه بدينه وآلهته، وأنه يروم أن يبحث بحث متأمل ناظر في أدلة المعرفة فحقق لهم أنه ما أراد بذلك إلا نفي ما ادعاه موسى بدليل الحس. وجيء بحرف التوكيد المعزّز بلام الابتداء لينفي عن نفسه اتهام وزيره إياه بتزلزل اعتقاده في دينه، والمعنى: إني أفعل ذلك ليظهر كذب موسى، والظن هنا مستعمل في معنى اليقين والقطع، ولذلك سمى الله عزمه هذا كيداً في قوله: {ومَا كَيْدُ فِرْعَونَ إلاَّ في تَبَابٍ}.
جملة {وكذلك زُيِنَ لفرعون} عطف على جملة {وَقَال فِرْعَوْنُ} لبيان حال اعتقاده وعمله بعد أن بين حال أقواله، والمعنى: أنه قال قولاً منبعثاً عن ضلال اعتقاد ومُغرياً بفساد الأعمال، ولهذا الاعتبار اعتبارِ جميع أحوال فرعون لم تُفْصَل هذه الجملة عن التي قبلها إذ لم يقصد بها ابتداء قصة أخرى، وهذا مما سموه بالتوسط بين كَمَالَي الاتصال والانقطاع في باب الفصل والوصل من علم المعاني. وافتتاحها ب {كذلك} كافتتاح قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً} في سورة البقرة (143)، أي مثل ذلك التزيين أي تزيين عمل فرعون زُيّن له سوء عمله مبالغة في أن تزيين عمله له بلغ من القوة في نوعه ما لا يوجد له شِبْه يُشبَّه به فمن أراد تشبيهه فليشبّهه بعيْنه.
وبُني فعل {وكذلك} إلى المجهول لأن المقصود معرفة مفعول التزيين لا معرفة فَاعله أي حَصل له تزيين سوء عمله في نفسه فحسِب الباطل حقّاً والضلال اهتداء...
وتعريف {السبيل} للعهد، أي سبيل الله، أو سبيل الخير، أو سبيل الهدى. ويجوز أن يكون التعريف للدلالة على الكمال في النوع، أي صد عن السبيل الكامل الصالح.
وجملة {ومَا كَيْدُ فِرعون إلا في تَبَابٍ} عطف على جملة {وكذلك زُيِّنَ لفرعون سُوَءُ عَمَلِه}، والمراد بكيده ما أَمر به من بناء الصرح والغايةِ منه، وسمي كيداً لأنه عمل ليس المراد به ظاهره بل أريد به الإِفضاء إلى إيهام قومه كذب موسى عليه السلام.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
الموقف يدعونا إلى تحليل هذا التصرف الفرعوني لمعرفة دواعيه وأهدافه الشيطانية، فمن خلال عملية التأمّل والتمحيص، يمكن أن تنتهي إلى ثلاثة أهداف كانت تكمن وراء هذا التصرّف والأهداف هذه هي:
أولا: أراد فرعون أن يختلق وضعاً يعمد من خلاله إلى إلهاء الناس وصرف أذهانهم عن قضية نبوة موسى (عليه السلام) وثورة بني إسرائيل.
وقضية بناء مثل هذا الصرح المرتفع يمكن أن تحوز على اهتمام الناس،
إذ أصبح الصرح حديث المجالس، والخبر الأوّل الذي يتناقله الناس، وفي مقابل ذلك يتناسون قضية انتصار موسى (عليه السلام) على السحرة ولو مؤقتا خصوصاً مع الأخذ بنظر الاعتبار ذلك الاهتزاز العنيف الذي ألحق بجهاز فرعون وأوساط الناس.
ثانياً: استهدف فرعون من خلال تنفيذ مشروع الصرح اشتغال أكبر قطاع من الناس، وعلى الأخص العاطلين منهم، لكي يجد هؤلاء في هذا الشغل عزاءٌ ولو مؤقتاً عن مظالم فرعون و ينسون جرائمه وظلمه. و من ناحية ثانية فإنّ اشتغال مثل هذا العدد الكثير يؤدي إلى ارتباطهم بخزانة فرعون وأمواله، وبالتالي ارتباطهم بنظامه وسياساته!
(كذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلاّ في تباب) إن السبب الرئيسي في انحراف فرعون عن جادة الصواب يعود إلى تزيين عمله القبيح في نظره بسبب غروره و تكبره.