فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَسۡبَٰبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ كَٰذِبٗاۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِۚ وَمَا كَيۡدُ فِرۡعَوۡنَ إِلَّا فِي تَبَابٖ} (37)

{ أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ } بيان للأسباب لأن الشيء إذا أبهم ثم فسر كان أوقع في النفوس ، وأفخم للشأن ، أو بدل منها ، وأنشد الأخفش عند تفسير الآية بيت زهير :

ومن هاب أسباب المنايا ينلنه *** ولو رام أسباب السماء بسلم .

وقيل أسباب السماوات الأمور التي يستمسك بها وكل ما أواك إلى شيء فهو سبب إليه كالرشاء ونحوه { فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى } أي انظر إليه ، وأطلع على حاله ، قرأ الأعرج السلمي وعيسى بن عمر وحفص بالنصب على جواب الأمر في قوله ابن لي ، وهذا رأي البصريين . أو جواب الترجي كما قال أبو عبيدة وغيره وهذا رأي الكوفيين .

قال النحاس معنى النصب خلاف معنى الرفع لأن معنى النصب متى بلغت الأسباب اطلعت ، وقرأ الجمهور بالرفع عطفا على أبلغ فهو على هذا داخل في حيز الترجي ، ومعناه لعلي أبلغ ، ولعلي بعد ذلك ، وقيل غير ذلك ، وفي هذا دليل على أن فرعون كان بمكان من الجهل عظيم ، وبمنزلة من فهم حقائق الأشياء سافلة جدا .

{ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ } أي موسى { كَاذِبًا } في ادعائه بأن له إلها غيري ، مستويا على العرش فوق السماوات أو فيما يدعيه من الرسالة قيل : قال فرعون ذلك تمويها وتلبيسا ، وتخليطا على قومه ، وإلا فهو يعرف ويعتقد حقيقة الإله ، وأنه ليس في جهة العلو ، ولكنه أراد التلبيس على قومه توصلا لبقائهم على الكفر ، فكأنه يقول . لو كان إله موسى موجودا لكان له محل ، ومحله إما الأرض وإما السماء ، ولم نره في الأرض فيبقى أن يكون في السماء ، والسماء لا توصل إليها إلا بسلم قاله الحفناوي .

{ وَكَذَلِكَ } التزيين { زُيِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ } من الشرك والتكذيب فتمادى في الغي واستمر على الطغيان ، والمزين هو الشيطان { وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ } أي سبيل الرشاد والهدى ، قرأ الجمهور وصد بفتح الصاد والدال ، أي صد فرعون الناس عن السبيل ، وقرأ الكوفيون وصد بضم الصاد مبينا للمفعول ، واختار هذه القراءة أبو عبيد وأبو حاتم .

ولعل وجه الاختيار لها منهما كونها مطابقة لما أجمعوا عليه في زين ، من البناء للمفعول والقراءتان سبعيتان وقرأ يحيى بن وثاب وعلقمة . صد بكسر الصاد وضم الدال منونا وقرأ ابن أبي إسحق وعبد الرحمن بن أبي بكر بفتح الصاد وضم الدال منونا ، وكل من هاتين القراءتين على أنه مصدر معطوف على : { سوء عمله } ، أي زين له الشيطان سوء العمل والصد .

{ وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ } في إبطال آيات موسى { إِلَّا فِي تَبَابٍ } أي خسار وهلاك ، قال ابن عباس : التباب الخسران ، ومنه { تبت يدا أبي لهب }