جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي - الإيجي محيي الدين  
{أَسۡبَٰبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ كَٰذِبٗاۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِۚ وَمَا كَيۡدُ فِرۡعَوۡنَ إِلَّا فِي تَبَابٖ} (37)

{ أسباب السماوات } أبهمه ثم أوضحه تعظيما وتشويقا إلى معرفته ، { فأطلع } من قرأ بالنصب فبجواب الترجي ، تشبيها بالتمني من جهة إنشاء التوقع { إلى إله موسى } ، فهو جاهل ، أو متجاهل ، يلبس على قومه ، فإن الوصول إلى السماء بالبناء محال ، { وإني لأظنه{[4370]} كاذبا } : في أن له إلها في السماء{[4371]} { وكذلك } مثل ذلك التزين ، { زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل } : عن{[4372]} طريق رشاده ومن قرأ صدّ فمعناه صدّ فرعون الناس عن الحق بأن أوهم رعاياه بأنه يعمل شيئا يتوصل به إلى العلم بكذبه { وما كيد فرعون إلا في تباب } خسار لا ينفعه كيده .


[4370]:في إدعائه بأن له إلها غيري مستويا على العرش فوق السماوات/12 فتح احتج به أهل الحديث وأئمة الإسلام وأعلام الهدى، على أن الله عز وجل فوق سماواته على عرشه وعلى أن جميع الرسل متفقون عليه، وأن فرعون اللعين كذب موسى في قوله إن الله في السماء بوجوه منها: أن فرعون كان من المنكرين لوجود الله وكل ما يذكره في صفات الله تعالى فذلك إنما بذكره لأجل أنه سمع أن موسى يصف الله بذلك، فلولا أن سمع موسى يصف الله بأنه موجود في السماء لما طلبه في السماء، ومنها أنه قال: وإني لأظنه كاذبا، ولم يبين أنه كاذب في ماذا، والمذكور السابق متعين لصرف الكلام إليه، فكان التقدير فأطلع إلى الإله الذي يزعم موسى أنه موجود في السماء، ثم قال لأظنه كاذبا أي: وإني لأظن موسى كاذبا في ادعائه أن الإله موجود في السماء، وذلك يدل على أن دين موسى هو أن الإله موجود في السماء، ومنها أن العلم بأنه لو وجد إله لكان في السماء علم بديهي متقرر في كل العقول والفطر، ولذلك ترى النساء والصبيان والجهال والأعراب إذا تضرعوا إلى الله رفعوا وجوههم وأيديهم إلى السماء، وأن فرعون مع نهاية كفره لما طلب الإله فقد طلبه في السماء، وهذا يدل على أن العلم بأن الله موجود في السماء علم متقرر في عقل الصديق والزنديق والملحد والموحد والعالم والجاهل، وقد اتفق عليه الأنبياء والمرسلون والصحابة والتابعون وجميع أئمة الهدى ومصابيح الدجى في كل عصر، وقد نقلوا إجماع الرسل عليهم السلام على ذلك كما قال الشيخ عبد القادر الجيلاني- رحمه الله – في كتاب الغنية: وكونه سبحانه في السماء مذكور في كل كتاب أنزل على نبي أرسل، وقد مر بعض عبارات الأئمة في سورة القصص تحت قوله تعالى:" وإني لأظنه من الكاذبين" فتذكر/12.
[4371]:في أن له إله في السماء، وقد سمع من موسى أن الله في السماء كما هو وارد في صحاح الأحاديث وحسانها/12 وجيز.
[4372]:وهو لأنه كان معاندا فحاله أسوء وهو أضل/12 وجيز.