البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَسۡبَٰبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ كَٰذِبٗاۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِۚ وَمَا كَيۡدُ فِرۡعَوۡنَ إِلَّا فِي تَبَابٖ} (37)

التباب : الخسران

وقرأ الجمهور : فأطلع رفعاً ، عطفاً على أبلغ ، فكلاهما مترجي .

وقرأ الأعرج ، وأبو حيوة ، وزيد بن علي ، والزعفراني ، وابن مقسم ، وحفص : فأطلع ، بنصب العين .

وقال أبو القاسم بن جبارة ، وابن عطية : على جواب التمني .

وقال الزمخشري : على جواب الترجي ، تشبيهاً للترجي بالتمني . انتهى .

وقد فرق النحاة بين التمني والترجي ، فذكروا أن التمني يكون في الممكن والممتنع ، والترجي يكون في الممكن .

وبلوغ أسباب السموات غير ممكن ، لكن فرعون أبرز ما لا يمكن في صورة الممكن تمويهاً على سامعيه .

وأما النصب بعد الفاء في جواب الترجي فشيء أجازه الكوفيون ومنعه البصريون ، واحتج الكوفيون بهذه القراءة وبقراءة عاصم ، فتنفعه الذكرى في سورة عبس ، إذ هو جواب الترجي في قوله : { لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى } وقد تأولنا ذلك على أن يكون عطفاً على التوهم ، لأن خبر لعل كثيراً جاء مقروناً بأن في النظم كثيراً ، وفي النثر قليلاً .

فمن نصب ، توهم أن الفعل المرفوع الواقع خبراً كان منصوباً بأن ، والعطف على التوهم كثير ، وإن كان لا ينقاس ، لكن إن وقع شيء وأمكن تخريجه عليه خرج ، وأما هنا ، فأطلع ، فقد جعله بعضهم جواباً للأمر ، وهو قوله : { ابن لي صرحاً } ، كما قال الشاعر :

يا ناق سيري عنقاً فسيحاً *** إلى سليمان فنستريحا

ولما قال : { فأطلع إلى إله موسى } ، كان ذلك إقراراً بإله موسى ، فاستدرك هذا الإقرار بقوله : { وإني لأظنه كاذباً } : أي في ادعاء الإلهية ، كما قال في القصص : { لعلي أطلع إلى إله موسى وإني لأظنه من الكاذبين } { وكذلك } أي مثل ذلك التزيين في إيهام فرعون أنه يطلع إلى إله موسى .

{ زين لفرعون سوء عمله } .

وقرأ الجمهور : { زين لفرعون } مبنياً للمفعول ؛ وقرئ : زين مبنياً للفاعل .

وقرأ الجمهور : { وصد } مبنياً للفاعل : أي وصد فرعون ؛ والكوفيون : بضم الصاد مناسباً لزين مبنياً للمفعول ؛ وابن وثاب : بكسر الصاد ، أصله صدد ، نقلت الحركة إلى الصاد بعد توهم حذفها ؛ وابن إسحاق ، وعبد الرحمن بن أبي بكرة ، بفتح الصاد وضم الدال ، منونة عطفاً على { سوء عمله } .

والتباب : الخسران ، خسر ملكه في الدنيا فيها بالغرق ، وفي الآخرة بخلود النار ،