الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{أَسۡبَٰبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ فَأَطَّلِعَ إِلَىٰٓ إِلَٰهِ مُوسَىٰ وَإِنِّي لَأَظُنُّهُۥ كَٰذِبٗاۚ وَكَذَٰلِكَ زُيِّنَ لِفِرۡعَوۡنَ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ وَصُدَّ عَنِ ٱلسَّبِيلِۚ وَمَا كَيۡدُ فِرۡعَوۡنَ إِلَّا فِي تَبَابٖ} (37)

قوله : { أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ } : فيه وجهان ، أحدهما : أنه تابعٌ للأسبابِ قبله بدلاً أو عطفَ بيان . والثاني : أنه منصوبٌ بإضمار أَعْني ، والأولُ أَوْلَى ؛ إذ الأصلُ عدمُ الإِضمارِ .

قوله : " فَأَطَّلِعَ " العامَّةُ على رفعِه عَطْفاً على " أَبْلُغُ " فهو داخِلٌ في حَيِّزِ الترجِّي . وقرأ حفصٌ في آخرين بنصبِه . وفيه ثلاثةُ أوجهٍ ، أحدُها : أنه جوابُ الأمرِ في قولِه : " ابْنِ لي " فنُصِبَ بأَنْ مضمرةً بعد الفاءِ في جوابِه على قاعدة البصريين كقولِه :

3933 يا ناقُ سِيْري عَنَقاً فَسِيحا *** إلى سليمانَ فَنَسْتريحا/

وهذا أَوْفَقُ لمذهب البصريين . الثاني : أنه منصوبٌ . قال الشيخ : " عَطْفاً على التوهُّمِ لأنَّ خبر " لعلَّ " كثيراً جاء مَقْروناً ب " أن " ، كثيراً في النظمِ وقليلاً في النثر . فمَنْ نَصَبَ تَوَهَّم أنَّ الفعلَ المرفوعَ الواقعَ خبراً منصوبٌ ب " أنْ " ، والعطفُ على التوهُّمِ كثيرٌ ، وإنْ كان لا ينقاسُ " انتهى . الثالث : أن يَنْتَصِبَ على جوابِ الترجِّي في " لعلَّ " ، وهو مذهبٌ كوفي استشهد أصحابُه بهذه القراءةِ وبقراءة عاصم { وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ } [ عبس : 3-4 ] بنصب " فتنفَعَه " جواباً لِقوله : " لعلَّه " . وإلى هذا نحا الزمخشري قال : " تشبيهاً للترجِّي بالتمني " والبصريُّون يأبَوْن ذلك ، ويُخَرِّجُون القراءتَيْنِ على ما تقدَّم . وفي سورة عبس يجوز أن [ يكون ] جواباً للاستفهام في قولِه : " وما يُدْريك " فإنه مترتبٌ عليه معنىً . وقال ابن عطية وابن جُبارة الهُذلي : " على جواب التمني " وفيه نظرٌ ؛ إذ ليس في اللفظِ تَمَنٍّ ، إنَّما فيه تَرَجٍّ . وقد فَرَّقَ الناسُ بين التمني والترجِّي : بأنَّ الترجِّيَ لا يكونُ إلاَّ في الممكنِ عكسَ التمني ، فإنه يكونُ فيه وفي المستحيلِ كقولِه :

3934 لَيْتَ الشبابَ هو الرَّجيعُ على الفتى *** والشيبُ كان هو البَدِئُ الأولُ

وقُرِئ " زَيَّنَ لفرعونَ " مبنياً للفاعلِ وهو الشيطانُ . وتقدَّم الخلافُ في { وَصُدَّ عَنِ السَّبِيلِ } في الرعد فمَنْ بناه للفاعلِ حَذَفَ المفعولَ أي : صَدَّ قومَه عن السبيلِ . وابنُ وثَّاب " وصِدَّ " بكسرِ الصادِ ، كأنه نَقَل حركةَ الدالِ الأولى إلى فاءِ الكلمة بعد توهُّمِ سَلْبِ حركتِها . وقد تقدَّم ذلك في نحو " رِدَّ " وأنه يجوزُ فيه ثلاثُ اللغاتِ الجائزةِ في قيل وبِيع . وابن أبي إسحاق وعبد الرحمن بن أبي بكرة " وصَدٌّ " بفتح الصادِ ورفع الدالِ منونةً جعله مصدراً منسوقاً على " سوءُ عملِه " أي : زَيَّن له الشيطانُ سوءَ العملِ والصدَّ . والتَّباب : الخَسارُ . وقد تقدَّم ذلك في قوله : { غَيْرَ تَتْبِيبٍ } [ هود : 101 ] . وتقدَّم الخِلافُ أيضاً في قوله : { يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ }

في سورة النساء [ الآية : 40 ] .