روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي [إخفاء]  
{أَوَمَن يُنَشَّؤُاْ فِي ٱلۡحِلۡيَةِ وَهُوَ فِي ٱلۡخِصَامِ غَيۡرُ مُبِينٖ} (18)

وقوله تعالى :

{ أَوْ مِن يُنَشَّأُ فِى الحلية } تكرير للإنكار و { مِنْ } منصوبة المحل بمضمر معطوف على { جَعَلُواْ } [ الزخرف : 15 ] وهناك مفعول محذوف أيضاً أي أو جعلوا له تعالى من شأنه أن يتربى في الزينة وهن البنات كما قال ابن عباس : ومجاهد وقتادة . والسدي : ولداً فالهمزة لإنكار الواقع واستقباحه .

وجوز انتصاب { مِنْ } بمضمر معطوف على { اتخذ } [ الزخرف : 16 ] فالهمزة حينئذٍ لإنكار الوقوع واستبعاده ، وإقحامها بين المعطوفين لتذكير ما في أم المنقطعة من الإنكار ، والعطف للتغاير العنواني أي أو اتخذ سبحانه من هذه الصفة الذميمة ولداً { وَهُوَ } مع ما ذكر من القصور { فِى الخصام } أي الجدال الذي لا يكاد يخلو عنه إنسان في العادة { غَيْرُ مُبِينٍ } غير قادر على تقرير دعواه وإقامته حجته لنقصان عقله وضعف رأيه ، والجار متعلق بمبين ، وإضافة { غَيْرِ } لا تمنع عمل ما بعدها فيه لأنه بمعنى النفي فلا حاجة لجعله متعلقاً بمقدر ، وجوز كون من مبتدأ محذوف الخبر أي أو من حاله كيت وكيت ولده عز وجل ، وجعل بعضهم خبره جعلوه ولداً لله سبحانه وتعالى أو اتخذه جل وعلا ولداً ، وعن ابن زيد أن المراد بمن ينشأ في الحلية الأصنام قال : وكانوا يتخذون كثيراً منها من الذهب والفضة ويجعلون الحلي على كثير منها ، وتعقب بأنه يبعد هذا القول قوله تعالى : { وَهُوَ فِى الخصام غَيْرُ مُبِينٍ } إلا إن أريد بنفي الإبانة نفي الخصام أي لا يكون منها خصام فإبانة كقوله :

على لا حب لا يهتدى بمناره *** وعندي أن هذا القول بعيد في نفسه وأن الكلام أعني قوله سبحانه : { أَمِ اتخذ } إلى هنا وارد لمزيد الإنكار في أنهم قوم من عادتهم المناقضة ورمى القول من غير علم ، وفي المجىء بأم المنقطعة وما في ضمنها من الإضراب دليل على أن معتمد الكلام إثبات جهلهم ومناقضتهم لا إثبات كفرهم لكنه يفهم منه كما سمعت وتسمع إن شاء الله تعالى ، وقرأ الجحدري في رواية { يُنَشَّأُ } مبنياً للمفعول مخففاً ، وقرأ الحسن في رواية أيضاً { *يناشأ } على وزن يفاعل مبنياً للمفعول ، والمناشاة بمعنى الإنشاء كالمغالاة بمعنى الإغلاء ، وقرأ الجمهور { أَوَمَن يُنَشَّأُ } مبنياً للفاعل ، والآية ظاهرة في أن النشوء في الزينة والنعومة من المعايب والمذام وأنه من صفات ربات الحجال فعلى الرجل أن يجتنب ذلك ويأنف منه ويربا بنفسه عنه ويعيش كما قال عمر رضي الله تعالى عنه اخشوشنوا في اللباس واخشوشبوا في الطعام وتمعددوا وإن أراد أن يزين نفسه زينها من باطن بلباس التقوى .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{أَوَمَن يُنَشَّؤُاْ فِي ٱلۡحِلۡيَةِ وَهُوَ فِي ٱلۡخِصَامِ غَيۡرُ مُبِينٖ} (18)

ومنها : أن الأنثى ناقصة في وصفها ، وفي منطقها وبيانها ، ولهذا قال تعالى : { أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ } أي : يجمل فيها ، لنقص جماله ، فيجمل بأمر خارج عنه ؟ { وَهُوَ فِي الْخِصَامِ } أي : عند الخصام الموجب لإظهار ما عند الشخص من الكلام ، { غَيْرُ مُبِينٍ } أي : غير مبين لحجته ، ولا مفصح عما احتوى عليه ضميره ، فكيف ينسبونهن للّه تعالى ؟

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{أَوَمَن يُنَشَّؤُاْ فِي ٱلۡحِلۡيَةِ وَهُوَ فِي ٱلۡخِصَامِ غَيۡرُ مُبِينٖ} (18)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{أومن ينشأ في الحلية} يعني ينبت في الزينة، يعني الحلي مع النساء، يعني البنات.

{وهو في الخصام غير مبين}: هذا الولد الأنثى ضعيف قليل الحيلة، وهو عند الخصومة والمحاربة غير بيّن، ضعيف عنها...

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

يقول تعالى ذكره: أو من ينبت في الحلية ويزين بها، "وَهُوَ فِي الخِصَامِ "يقول: وهو في مخاصمة من خاصمه عند الخصام غير مبين، من خصمه ببرهان وحجة، لعجزه وضعفه، جعلتموه جزءا لله من خلقه، وزعمتم أنه نصيبه منهم، وفي الكلام متروك استغنى بدلالة ما ذكر منه وهو ما ذكرت.

واختلف أهل التأويل في المعنيّ بقوله: "أوْ مَنْ يُنَشّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ"؛ فقال بعضهم: عُنِي بذلك الجواري والنساء...

وقال آخرون: عُنِي بذلك أوثانهم التي كانوا يعبدونها من دون الله...

وأولى القولين في ذلك بالصواب قول من قال: عني بذلك الجواري والنساء، لأن ذلك عقيب خبر الله عن إضافة المشركين إليه ما يكرهونه لأنفسهم من البنات، وقلة معرفتهم بحقه، وتحليتهم إياه من الصفات والبخل، وهو خالقهم ومالكهم ورازقهم، والمنعم عليهم النعم التي عددها في أوّل هذه السورة ما لا يرضونه لأنفسهم، فاتباع ذلك من الكلام ما كان نظيرا له أشبه وأولى من اتباعه ما لم يجر له ذكر.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... في هذه الآيات ما ذكرنا من الوجوه من تصبير رسول الله صلى الله عليه وسلم على أذى القوم ومن بيان سفه أولئك ومن التحذير مما تأخّر منهم 1، والله أعلم.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

المراد من قوله {أو من ينشأ في الحلية} التنبيه على نقصانها، وهو أن الذي يربى في الحلية يكون ناقص الذات، لأنه لولا نقصان في ذاتها لما احتاجت إلى تزيين نفسها بالحلية، ثم بين نقصان حالها بطريق آخر، وهو قوله {وهو في الخصام غير مبين}

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

{أو من} أي اتخذ من لا يرضونه لأنفسهم... لنفسه مع أنفتهم منه واتخذ من {ينشؤا} أي على ما جرت به عوائدكم على قراءة الجماعة، ومن تنشؤونه وتحلونه بجهدكم على قراءة ضم الباء وتشديد الشين {في الحلية} أي في الزينة فيكون كلا على أبيه لا يصلح لحرب ولا معالجة طعن ولا ضرب {وهو} أي والحال أنه، وقدم لإفادة الاهتمام قوله: {في الخصام} إذا احتيج إليه {غير مبين} أي لا يحصل منه إبانة مطلقة كاملة لما يريده لنقصان العقل وضعف الرأي بتدافع الحظوظ والشهوات وتمكن السعة، فلا دفاع عنده بيد ولا لسان...

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

أفما كان من اللياقة والأدب ألا يخصوا الله بمن ينشأ في الحلية والدعة والنعومة، فلا يقدر على جدال ولا قتال؛ بينما هم -في بيئتهم- يحتفلون بالفرسان والمقاويل من الرجال؟! إنه يأخذهم في هذا بمنطقهم، ويخجلهم من انتقاء ما يكرهون ونسبته إلى الله. فهلا اختاروا ما يستحسنونه وما يسرون له فنسبوه إلى ربهم، إن كانوا لا بد فاعلين؟!...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

عطف إنكارٍ على إنكار، والواو عاطفة الجملة على الجملة وهي مؤخرة عن همزة الاستفهام لأن للاستفهام الصدْر وأصل الترتيب: وَأَمَنْ ينشأ. وجملة الاستفهام معطوفة على الإنكار المقدّر بعدَ

{أم في قوله: {أم اتخذ ممّا يخلق بناتٍ} ولذلك يكون {من ينشؤا في الحلية} في محل نصب بفعل محذوف دلّ عليه فعل {اتخذ في قوله: {أم اتخذ مما يخلق بنات}. والتقدير: أأتّخذ مَن ينشأ في الحلية الخ. ولك أن تجعل {من ينشؤا في الحلية} بدلاً من قوله {بنات} بدلاً مطابقاً، وأبرز العامل في البدل لتأكيد معنى الإنكار لا سيما وهو قد حذف من المبدل منه. وإذ كان الإنكار إنما يتسلط على حكم الخبر كان موجب الإنكار الثاني مغايراً لموجب الإنكار الأول، وإن كان الموصوف بما لوصفين اللذيْن تعلق بهما الإنكار موصوفاً واحداً وهو الأنثى.

ونَشْءُ الشيء في حالةٍ أن يكون ابتداءُ وجوده مقارناً لتلك الحالة فتكون للشيء بمنزلة الظرف. ولذلك اجتلب حرف {في} الدّالة على الظرفية وإنما هي مستعارة لِمعنى المصاحبة والملابسة فمعنى {من ينشؤا في الحلية} مَن تُجعل له الحلية من أول أوقات كونه ولا تفارقُه، فإن البنت تُتَّخَذُ لها الحلية من أول عمرها وتستصحب في سائر أطوارها، وحسبك أنها شُقّت طرفا أذنيها لتجعل لها فيهما الأقراط بخلاف الصبي فلا يُحلّى بمثل ذلك وما يستدام له.

والنَّشْءُ في الحلية كناية عن الضعف عن مزاولة الصعاب بحسب الملازمة العُرفية فيه. والمعنى: أن لا فائدة في اتخاذ الله بنات لا غناء لهن، فلا يحصل له باتخاذها زيادة عِزّة، بناء على متعارفهم، فهذا احتجاج إقناعي خطابي.

و {الخصام} ظاهره: المجادلة والمنازعة بالكلام والمحاجّة، فيكون المعنى: أن المرأة لا تبلغ المقدرة على إبانة حجتها... وعلى هذا التفسير درج جميع المفسرين.

والمعنى عليه: أنّهن غير قوادر على الانتصار بالقول فبلأولى لا يقدرْنَ على ما هو أشد من ذلك في الحرب، أي فلا جدوى لاتّخاذهن أولاداً.

ويجوز عندي: أن يحمل الخصامُ على التقاتل والدّفاع باليد، فإن الخصم يطلق على المُحارب، قال تعالى: {هذان خصمان اختصموا في ربّهم} [الحج: 19] فُسِّر بأنهم نفر من المسلمين مع نفر من المشركين تقاتلوا يوم بدر.

فمعنى {غير مبين} غيرُ محقق النصر.

تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :

وقد نتساءل: هل هذا الوصف القرآني للمرأة يمثل تحديداً مفهومياً لشخصيتها، بحيث يعتبرها إنساناً مستغرقاً في الزينة، في إيحاءاتها الرخيّة الناعمة المنفتحة على الجمال الجسدي بخشوعٍ وانبهار في مستوى الطموح، وكياناً يملك الضعف فلا يستطيع الدفاع عن نفسه.. أم أن هذا الوصف يمثل تحديداً واقعياً لصورة المرأة من خلال التربية التي تتربّى عليها، لتعيش حياة تسيطر عليها عناصر الضعف بدلاً من عناصر القوّة؟! قد نستفيد من التعبير بكلمة {يُنَشَّأُ} بأن هذا الوصف متعلق بالتنشئة والتربية والإِعداد الذي تتلقاه الأنثى، في الوقت الذي تملك فيه قابلية الأخذ بأسباب القوّة الفكرية والحركية.. كما نلاحظه في ما حدثنا به القرآن من النماذج القويّة في مجمل الحياة الاجتماعية التي تضم {الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقانِتاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ والصَّائِمِينَ والصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَاكِرَاتِ أَعَدَّ اللّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب: 35] وغير ذلك، وفي ما حدثنا به عن امرأة فرعون ومريم ابنة عمران اللتين ضربهما الله مثلاً للذين آمنوا من الرجال والنساء في قوّة الموقف، حيث تتجسد حركية صفات الإيمان والصبر.. داخل الشخصية وخارجها، بما تفرضه من معاناة وتمرد على نقاط الضعف.. هذا، مع ملاحظة أننا نعرف في التاريخ وفي الحاضر، كثيراً من النساء اللاّتي يملكن القوّة في الجدل، والشدّة في الدفاع، والإِرادة الحديديّة في مواجهة التحديات.. ما يبعد الضعف عن أن يكون من لوازم شخصية المرأة، ويقرّبه من أن يكون من مقتضيات التربية التي تنمي نقاط ضعفها الغريزية وتهمل تنمية نقاط القوّة فيها، في الوقت الذي لا ننكر فيه قوّة الجانب العاطفي فيها، ولكن لا بالمستوى الذي يلغي إمكانية التنمية الفكرية والعملية للجانب العقلاني لديها. وفي ضوء ذلك، يمكننا أن نفهم أن الآية توجه النظر إلى الواقع الذي تعيشه المرأة، ما يخلق الانطباع السلبيّ عنها في نظر المجتمع ويثير التساؤل حول المبرّر لنسبة البنات إلى الله في ظل هذا المفهوم لديهم...