البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{أَوَمَن يُنَشَّؤُاْ فِي ٱلۡحِلۡيَةِ وَهُوَ فِي ٱلۡخِصَامِ غَيۡرُ مُبِينٖ} (18)

{ أو من ينشؤا في الحلية } : أي ينتقل في عمره حالاً فحالاً في الحلية ، وهو الحلى الذي لا يليق إلا بالإناث دون الفحول ، لنزينهن بذلك لأزواجهن ، وهو إن خاصم ، لا يبين لضعف العقل ونقص التدبر والتأمل ، أظهر بهذا لحقوقهن وشفوف البنين عليهن .

وكان في ذلك إشارة إلى أن الرجل لا يناسب له التزين كالمرأة ، وأن يكون مخشوشناً .

والفحل من الرجال أبى أن يكون متصفاً بصفات النساء ، والظاهر أنه أراد بمن ينشؤا في الحلية : النساء .

وقال ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي : ويدل عليه قوله : { وهو في الخصام غير مبين } : أي لا يظهر حجة ، ولا يقيم دليلاً ، ولا يكشف عما في نفسه كشفاً واضحاً .

ويقال : قلما تجد امرأة لا تفسد الكلام ، وتخلط المعاني ، حتى ذكر عن بعض الناس أنه قال : إذا دخلنا على فلانة ، لا تخرج حتى نعلم أن عقلها عقل امرأة .

وقال ابن زيد : المراد بمن ينشؤا في الحلية : الأصنام ، وكانوا يتخذون كثيراً منها من الذهب والفضة ، ويجعلون الحلى على كثيرة منها ، ويبعد هذا القول قوله : { وهو في الخصام غير مبين } ، إلا إن أريد بنفي الإبانة نفي الخصام أي لا يكون منها خصام فإنه كقوله :

على لاحب لا يهتدى بمناره . . .

أي : لا منار له فيهتدى به .

ومن : في موضع نصب ، أي وجعلوا من ينشأ .

ويجوز أن يكون في موضع رفع على الابتداء ، أي من ينشأ جعلوه لله .

وقرأ الجمهور : ينشأ مبنياً للفاعل ، والجحدري في قول : مبنياً للمفعول مخففاً ، وابن عباس وزيد بن علي والحسن ومجاهد والجحدري : في رواية ، والإخوان وحفص والمفضل وإبان وابن مقسم وهارون ، عن أبي عمرو : مبنياً للمفعول مشدداً ، والحسن : في رواية يناشؤ على وزن يفاعل مبنياً للمفعول ، والمناشأة بمعنى الإنشاء ، كالمعالاة بمعنى الإعلاء .

{ وفي الخصام } : متعلق بمحذوف تفسيره غير مبين ، أي وهو لا يبين في الخصام .

ومن أجاز أما زيداً ، غير ضارب بأعمال المضاف إليه في غير أجاز أن يتعلق بمبين ، أجرى غير مجرى لا .

وبتقديم معمول أما بعد لا مختلف فيه ، وقد ذكر ذلك في النحو .