اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{أَوَمَن يُنَشَّؤُاْ فِي ٱلۡحِلۡيَةِ وَهُوَ فِي ٱلۡخِصَامِ غَيۡرُ مُبِينٖ} (18)

قوله تعالى : { أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الحلية . . . } يجوز في «مَنْ » وجهان :

أحدهما : أن تكون في محل نصب مفعولاً بفعل مقدر ، أي : أَوَ تَجْعَلُونَ مَنْ يُنَشَّأُ فِي الحِلْيَةِ .

والثاني : أنه مبتدأ وخبره محذوف ، تقديره أَوَ مَنْ يُنَشَّأُ جزءٌ أو وَلَدٌ ، إذ جعلوا الله جُزْءاً{[49695]} .

وقال البغوي : يجوز أن يكون في محل خفض ردًّا على قوله : مما يخلق ، وقوله : «بِمَا ضَرَبَ »{[49696]} . وقرأ العامة يَنْشَأُ بفتح الياء وسكون النون من نشأ في كذا يَنْشأُ فِيهِ . والأَخَوَانِ{[49697]} وَحَفْصٌ بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين مبنياً للمفعول أي يُرَبَّى وقرأ الجَحْدَرِيُّ كذلك ، إلا أنه خفف الشين أخذه من أَنْشَأَهُ{[49698]} . والحسن : يُنَاشَأُ كيقاتل ، مبنياً للمفعول{[49699]} . والمفاعلة تأتي بمعنى الإفعال ، كالمُعَالاَةِ بمعنى الإعْلاَءِ{[49700]} .

فصل

المراد من هذا الكلام التنبيه على نُقْصَانِهَا{[49701]} والمعنى : أن الذي يتربى{[49702]} في الحِلية والزينة يكون ناقصَ الذات ؛ لأنه لولا نُقْصَانُها في ذاتها لما احتاجت إلى تزيين نفسها بالحِلْية ، ثم بين نُقْصَانَ حالها بطريق آخرٍ وهو قوله : { وَهُوَ فِي الخصام غَيْرُ مُبِينٍ }{[49703]} الجملة حال . و«في الخِصَامِ » يجوز أن يتعلق بمحذوف يدل عليه من بعده تقديره وهو لا يُبينُ في الخِصَام أي الحجة ويجوز أن يتعلق «بمُبِينٍ »{[49704]} وجاز للمضاف إليه أن يَعْمَلَ فيما قبل المضاف ، لأنَّ غَيْر بمعنى «لا »{[49705]} كما تقدم تحقيقه آخر الفاتحة{[49706]} .

فصل

المعنى وهو في المخاصمة غير مبين الحجة من ضعفهن وسَقَمَهِنّ{[49707]} . قال قتادة في هذه الآية : كل ما تتكلم امرأة ، فتريد أن تتكلم بحُجَّتِها إلا تكلمت بالحُجَّةِ عليها{[49708]} .


[49695]:قال بهذين الوجهين أبو البقاء في التبيان 1038 والسمين في الدر المصون نقلا عنه 4/776، وأبو حيان في البحر 8/8 كما قال به قبل الفراء في المعاني 3/29 كما قال بت ابن الأنباري في البيان 2/352.
[49696]:انظر معالم التنزيل للبغوي.
[49697]:معروف أنهما حمزة والكسائي وقد ذكر في الإتحاف هذه القراءات الأربع جميعا انظر الإتحاف 385 وذكر القرائتين الأوليين وهما متواترتان ابن خالويه في الحجة 320، وابن مجاهد في السبعة 584 فضلا عن البناء في الإتحاف السابق.
[49698]:ذكرها مع صاحب الإتحاف ابن خالويه في المختصر 134 من الشواذ.
[49699]:السابقين وانظر أيضا الكشاف 3/482 والبحر 8/8.
[49700]:البحر المحيط 8/8 المرجع السابق.
[49701]:أي الحلية.
[49702]:كذا هو الأصح من ب والرازي وفي أ الجاهلية تحريف غير مقصود.
[49703]:قال الرازي: يعني أنها إذا احتاجت المخاصمة والمنازعة عجزت وكانت غير مبين وذلك لضعف لسانها وقلة عقلها وبلادة طبعها. انظر الرازي 27/202.
[49704]:ذكر هذين الوجهين العكبري في التبيان 1038.
[49705]:ففيها معنى النفي فكأنه قال: وهو لا يبين في الخصام فلا مشكلة حينئذ. بتصرف من البيان للعكبري المرجع السابق.
[49706]:اللباب 1/27 ب ميكروفيلم.
[49707]:كذا في ب وفي الأصل: وسفههن؛ والأول أقرب.
[49708]:نقله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن 16/72 بالمعنى وكذلك الزجاج في معاني القرآن وإعرابه 4/407.