تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{أَوَمَن يُنَشَّؤُاْ فِي ٱلۡحِلۡيَةِ وَهُوَ فِي ٱلۡخِصَامِ غَيۡرُ مُبِينٖ} (18)

الآية 18 وقوله تعالى : { أوَمَن يُنشّأ في الحِلية وهو في الخصام غير مبين } اختُلف فيه : قال بعضهم : هي الأصنام التي عبدوها : حلّوها ، وزيّنوها بأنواع الزينة والحليّ ، والله أعلم . ولو حُلّي بالحَلي ، وزُيّن بالزينة ، وهو لا يملك نفعا لا ضرّا ولا تكلّما ولا خصومة ولا شيئا من ذلك ، ولا يُلتفت إليه ، ولا يُكترث له ، لولا تلك الحَلْيُ والزينة التي بها في جعل العبادة له كمن منه خلق ما ذكر من السماوات والأرض وما فيهما من المنافع ، أي ليس هذا بسواء .

لذلك يذكر سفههم في اختيارهم الأصنام التي هذا وصفها في العبادة على عبادة الله تعالى الذي منه كل شيء . يُصبّر رسوله صلى الله عليه وسلم على أذاهم وتكذيبهم إياه وسوء معاملتهم معه ، والله أعلم .

وقال بعضهم : قوله : { أومن يُنشّأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين } هي الإناث . يقول ، والله أعلم : إن الأنثى ضعيف قليل الحيلة ، وهي عند الخصومة والمجاوزة غير بيّن ، يصف عجزهن وضعفهن ونقصانهنّ .

يقول ، والله أعلم : كيف نسبوا إلى الله عز وجل ما هو أضعف وأعجز في ما ذكر ، وقد اتقوا هم منها ، واختاروا لأنفسهم ما هو أكمل وأقوى ، وهم الذكور ؟ وهو صلة قوله عز وجل : { أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين } إلى آخر ما ذكر وكل حرف مما تقدّم ذكره من قوله : { وجعلوا له من عباده جزءا } ونحو ذلك .

ثم قوله تعالى : { أومن ينشّأ في الحلية } يحتمل أن يرجع إلى معنى آخر غير المعنى في ما ذكر من الآيات ، وكل حرف من هذه الحروف يرجع إلى فريق غير الفريق الآخر لأنهم كانوا في المذاهب مختلفين متفرّقين ، وجائز أن يرجع الكل إلى معنى واحد ، والله أعلم .

وفي هذه الآيات ما ذكرنا من الوجوه من تصبير رسول الله صلى الله عليه وسلم على أذى القوم ومن بيان سفه أولئك ومن التحذير مما تأخّر منهم{[18897]} ، والله أعلم .

وقال القتبيّ : { أومن يُنشّأ في الحلية } أي يُرى في الحَلْي ، وهي البنات ، يريد جعلهم بنات الله تعالى ، وهم إذا كان لأحدهم بنت { ظلّ وجهه مسودّا وهو كظيم } [ النحل : 58 ] أي حزين . والخصام جمع خصيم { غير مبين } أي غير مبين الحجّة .

وقال أبو عوسجة : { أو من يُنشّأ في الحلية } أي يُنشأ كما يقال : نشأ الصبي ينشأ ، أي يشِبّ ، ويرتع ، والخصام المخاصمة .

وقال أبو معاذ : { أو من يُنشّأ في الحلية } والله أعلم : نبت ، ويقرأ : { يُنشّأ } بالتشديد ، ويُنشأ بالتخفيف ، وهما لغتان ، وقرأ بعضهم : ينشأ{[18898]} في الحلية ، والله أعلم .


[18897]:من م، في الأصل: منها.
[18898]:انظر معجم القراءات القرآنية ح 6/104 و/105.