الجامع لأحكام القرآن للقرطبي - القرطبي  
{أَوَمَن يُنَشَّؤُاْ فِي ٱلۡحِلۡيَةِ وَهُوَ فِي ٱلۡخِصَامِ غَيۡرُ مُبِينٖ} (18)

فيه مسألتان :

الأولى- قوله تعالى : " أومن ينشأ " أي يربى ويشب . والنشوء : التربية ، يقال : نشأت في بني فلان نشأ ونشوءا إذا شببت فيهم . ونشئ وأنشئ بمعنى . وقرأ ابن عباس والضحاك وابن وثاب وحفص وحمزة والكسائي وخلف " ينشأ " بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين ، أي يربى ويكبر في الحلية . واختاره أبو عبيد ؛ لأن الإسناد أيها أعلى . وقرأ الباقون " ينشأ " بفتح الياء وإسكان النون ، واختاره أبو حاتم ، أي يرسخ وينبت ، وأصله من نشأ أي ارتفع ، قاله الهروي . ف " ينشأ " متعد ، و " ينشأ " لازم .

الثانية- قوله تعالى : " في الحلية " أي في الزينة . قال ابن عباس وغيره : هن الجواري زيهن غير زي الرجال . قال مجاهد : رخص للنساء في الذهب والحرير ، وقرأ هذه الآية . قال الكيا : فيه دلالة على إباحة الحلي للنساء ، والإجماع منعقد عليه والأخبار فيه لا تحصى .

قلت : روي عن أبي هريرة أنه كان يقول لابنته : يا بنية ، إياك والتحلي بالذهب ! فإني أخاف عليك اللهب .

قوله تعالى : " وهو في الخصام غير مبين " أي في المجادلة والإدلاء بالحجة . قال قتادة : ما تكلمت امرأة ولها حجة إلا جعلتها على نفسها . وفي مصحف عبد الله " وهو في الكلام غير مبين " . ومعنى الآية : أيضاف إلى الله من هذا وصفه ! أي لا يجوز ذلك . وقيل : المنشأ في الحلية أصنامهم التي صاغوها من ذهب وفضة وحلوها ، قاله ابن زيد والضحاك . ويكون معنى " وهو في الخصام غير مبين " على هذا القول : أي ساكت عن الجواب . و " من " في محل نصب ، أي اتخذوا لله من ينشأ في الحلية . ويجوز أن يكون رفعا على الابتداء والخبر مضمر ، قاله الفراء . وتقديره : أو من كان على هذه الحالة يستحق العبادة . وإن شئت قلت خفض ردا إلى أول الكلام وهو قوله : " بما ضرب " أو على " ما " في قوله : " مما يخلق بنات " . وكون البدل في هذين الموضعين ضعيف لكون ألف الاستفهام حائلة بين البدل والمبدل منه .