{ يأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصيام } بيان لحكم آخر من الأحكام الشرعية وتكرير النداء لإظهار الاعتناء مع بعد العهد ، والصيام كالصوم مصدر صام وهو لغة الإمساك ، ومنه يقال للصمت صوم لأنه إمساك عن الكلام ، قال ابن دريد : كل شيء تمكث حركته فقد صام ، ومنه قول النابغة :
خيل ( صيام ) وخيل غير صائمة *** تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما
فصامت الريح ركدت ، وصامت الشمس إذا استوت في منتصف النهار ، وشرعاً إمساك عن أشياء مخصوصة على وجه مخصوص في زمان مخصوص ممن هو على صفات مخصوصة { كَمَا كُتِبَ عَلَى الذين مِن قَبْلِكُمْ } أي الأنبياء والأمم من لدن آدم عليه الصلاة والسلام إلى يومنا كما هو ظاهر عموم الموصول ، وعن ابن عباس ، ومجاهد رضي الله تعالى عنهما أنهم أهل الكتاب ، وعن الحسن ، والسدي ، والشعبي ، أنهم النصارى ، وفيه تأكيد للحكم وترغيب فيه وتطييب لأنفس المخاطبين فيه ، فإن الأمور الشاقة إذا عمت طابت ، والمراد بالمماثلة إما المماثلة في أصل الوجوب وعليه أبو مسلم والجبائي وإما في الوقت والمقدار بناء على أن أهل الكتاب فرض عليهم صوم رمضان فتركه اليهود إلى صوم يوم من السنة زعموا أنه اليوم الذي أغرق فيه فرعون ، وزاد فيه النصارى يوماً قبل ويوماً بعد احتياطاً حتى بلغوا فيه خمسين يوماً فصعب عليهم في الحر فنقلوه إلى زمن نزول الشمس برج الحمل ، وأخرج ابن حنظلة ، والنحاس ، والطبراني عن مغفل بن حنظلة مرفوعاً «كان على النصارى صوم شهر رمضان فمرض ملكهم فقالوا : لئن شفاه الله تعالى لنزيدن عشراً ، ثم كان آخر فأكل لحماً فأوجع فوه فقالوا : لئن شفاه الله لنزيدن سبعة ، ثم كان عليهم ملك آخر فقال : ما ندع من هذه الثلاثة أيام شيئاً أن نتمها ونجعل صومنا في الربيع ففعل فصارت خمسين يوماً » ، وفي { كَمَا } خمسة أوجه . أحدها : أن محله النصب على أنه نعت لمصدر محذوف أي كتب كتباً مثل ما كتب . الثاني : أنه في محل نصب حال من المصدر المعرفة أي كتب عليكم الصيام الكتب مشبهاً بما كتب ، و( ما ) على الوجهين مصدرية . الثالث : أن يكون نعتاً لمصدر من لفظ الصيام أي صوماً مماثلاً للصوم المكتوب على من قبلكم . الرابع : أن يكون حالاً من الصيام أي حال كونه مماثلاً لما كتب ، و( ما ) على الوجهين موصولة . الخامس : أن يكون في محل رفع على أنه صفة للصيام بناء على أن المعرفة بأل الجنسية/ قريب من النكرة .
{ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } أي كي تحذروا المعاصي فإن الصوم يعقم الشهوة التي هي أمها أو يكسرها .
فقد أخرج البخاري ، ومسلم في «صحيحيهما » عن عبد الله رضي الله تعالى عنه قال : قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " ويحتمل أن يقدر المفعول الاخلال بأدائه ، وعلى الأول : يكون الكلام متعلقاً بقوله : { كتاب } من غير نظر إلى التشبيه ، وعلى الثاني : بالنظر إليه أي كتب عليكم مثل ما كتب على الأولين لكي تتقوا الإخلال بأدائه بعد العلم بأصالته وقدمه ولا حاجة إلى تقدير محذوف أي أعلمتكم الحكم المذكور لذلك كما قيل به وجوز أن يكون الفعل منزلاً منزل اللازم أي لكي تصلوا بذلك إلى رتبة التقوى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.