السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (183)

{ يا أيها الذين آمنوا كتب } أي : فرض { عليكم الصيام } هو لغة : الإمساك عما تنازع فيه النفس ومنه قوله تعالى : { فقولي إني نذرت للرحمن صوماً } ( مريم ، 26 ) أي : صمتاً ؛ لأنه إمساك عن الكلام . وفي الشرع : الإمساك عن المفطرات مع النية فإنها معظم ما تشتهيه النفس { كما كتب على الذين من قبلكم } من الأنبياء والأمم من لدن آدم إلى عهدكم . قال عليّ رضي الله تعالى عنه : أوّلهم آدم يعني أنّ الصوم عبادة قديمة أصلية ما أخلى الله أمّة من افتراضها عليهم لم يفرضها عليكم وحدكم .

وفي قوله تعالى : { كتب عليكم } الخ . . توكيد للحكم ، وترغيب على الفعل ، وتطييب على النفس . وفي موضع التشبيه في كاف كما كتب قولان : أحدهما أنّ التشبيه في حكم الصوم وصفته لا في عدده . قال سعيد بن جبير : كتب عليهم إذا نام أحدهم قبل أن يطعم أنه لم يحل له أن يطعم إلى الليلة القابلة ، والنساء عليهم حرام ليلة الصيام وهو عليهم ثابت ، وقد أرخص لكم هذا ، فعلى هذا تكون هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : { أحلّ لكم ليلة الصيام الرفث } ( البقرة ، 187 ) الآية فإنها فرقت بين صوم أهل الكتاب وبين صوم المسلمين ، والثاني : إنه كصومهم في عدد الأيام ، لما روي أنّ رمضان كتب على أهل الإنجيل فأصابهم موتان أي : وهو بضم الميم موت يقع على الماشية فزادوا عشراً قبله وعشراً بعده ، فجعلوه خمسين وقيل : كان يقع في الحرّ الشديد وكان يشق عليهم في أسفارهم ويضرّهم في معايشهم فاجتمع رأي علمائهم ورؤسائهم على أن يجعلوا صيامهم في فصل من السنة بين الشتاء والصيف فجعلوه في الربيع وقالوا : نزيد عشرين يوماً تكفر ما صنعنا . قال السديّ عن مشايخه ، وقيل : زادوا فيه عشرة أيام أولاً كفارة لما صنعوا ، فصار أربعين يوماً ثم أن ملكهم اشتكى فمه فجعل لله عليه إن هو شفي من وجعه أن يزيد في صومهم أسبوعاً ، فبرأ فزاد فيه أسبوعاً ثم مات ذلك الملك ووليهم ملك آخر فقال : أتموه خمسين يوماً وعلى هذا تكون الآية محكمة لا منسوخة .

{ لعلكم تتقون } بصومكم للمعاصي ، فإن الصوم يكسر الشهوة التي هي مبدؤها كما قال عليه الصلاة والسلام : " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة أي : مؤن ) النكاح فليتزوّج ؛فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج . ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء " ، أي : قاطع لشهوته أو لعلكم تنتظمون في زمرة المتقين ؛ لأن الصوم شعارهم .