الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي - السيوطي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (183)

أخرج البخاري ومسلم والترمذي والنسائي والبيهقي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " بني الإسلام على خمس . شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، إيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، والحج " .

وأخرج أحمد وأبو داود وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن معاذ بن جبل قال : أحيلت الصلاة ثلاثة أحوال ، وأحيل الصيام ثلاثة أحوال . فأما أحوال الصلاة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة فصلى سبعة عشر شهرا إلى بيت المقدس ، ثم إن الله أنزل عليه ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها . . . ) ( البقرة الآية 144 ) الآية فوجهه الله إلى مكة هذا حول ، وقال : وكانوا يجتمعون للصلاة ويؤذن بها بعضهم بعضا حتى نفسوا أو كادوا ، ثم إن رجلا من الأنصار يقال له عبد الله بن يزيد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني رأيت فيما يرى النائم ، ولو قلت أني لم أكن نائما لصدقت ، إني بينا أنا بين النائم واليقظان إذ رأيت شخصا عليه ثوبان أخضران ، فاستقبل القبلة فقال : الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله مثنى مثنى حتى فرغ الأذان ، ثم أمهل ساعة ثم قال مثل الذي قال : غير أنه يزيد في ذلك قد قامت الصلاة . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : علمها بلالا فليؤذن بها . فكان بلال أول من أذن بها قال : وجاء عمر بن الخطاب فقال : يا رسول الله إنه قد طاف بي مثل الذي طاف به غير أنه سبقني فهذان حولان .

قال : وكانوا يأتون الصلاة قد سبقهم النبي صلى الله عليه وسلم ببعضها ، فكان الرجل يسر إلى الرجل كم صلى فيقول واحدة أو اثنتين فيصليهما ، ثم يدخل مع القوم في صلاتهم ، فجاء معاذ فقال : لا أجده على حال أبدا إلا كنت عليها ثم قضيت ما سبقتني ، فجاء وقد سبقه النبي صلى الله عليه وسلم ببعضها فثبت معه ، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قام فقضى ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد سن لكم معاذ فهكذا فاصنعوا . فهذه ثلاثة أحوال .

وأما أحوال الصيام فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قدم المدينة ، فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة أيام ، وصام عاشوراء ، ثم إن الله فرض عليه الصيام ، وأنزل الله { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } إلى قوله { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } فكان من شاء صام ومن شاء أطعم مسكينا فأجزأ ذلك عنه ، ثم إن الله أنزل الآية الأخرى ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس ) ( البقرة الآية 185 ) إلى قوله ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) فأثبت الله صيامه على المقيم الصحيح ، ورخص فيه للمريض والمسافر ، وثبت الإطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام ، فهذان حولان .

قال : وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النساء ما لم يناموا فإذا ناموا امتنعوا ، ثم إن رجلا من الأنصار يقال له صرمة كان يعمل صائما حتى إذا أمسى ، فجاء إلى أهله فصلى العشاء ثم نام فلم يأكل ولم يشرب حتى أصبح صائما ، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم وقد جهد جهدا شديدا فقال : " ما لي أراك قد جهدت جهدا شديدا ؟ قال : يا رسول الله إني عملت أمس ، فجئت حين جئت فألقيت نفسي فنمت ، فأصبحت حين أصبحت صائما قال : وكان عمر قد أصاب النساء بعد ما نام ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له ، فأنزل الله ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث ) ( البقرة الآية 187 ) إلى قوله ( ثم أتموا الصيام إلى الليل ) " .

وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله { كما كتب على الذين من قبلكم } يعني بذلك أهل الكتاب .

وأخرج ابن جرير عن الشعبي قال : إن النصارى فرض عليهم شهر رمضان كما فرض علينا ، فكانوا ربما صاموه في القيظ فحولوه إلى الفصل ، وضاعفوه حتى صار إلى خمسين يوما ، فذلك قوله { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } .

وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { كما كتب على الذين من قبلكم } قال : الذين من قبلنا هم النصارى كتب عليهم رمضان ، وكتب عليهم أن لا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ، ولا ينكحوا في شهر رمضان . فاشتد على النصارى صيام رمضان فاجتمعوا فجعلوا صياما في الفصل بين الشتاء والصيف ، وقالوا : نزيد عشرين يوما نكفر بها ما صنعنا ، فلم تزل المسلمون يصنعون كما تصنع النصارى حتى كان من أمر أبي قيس بن صرمة وعمر بن الخطاب ما كان ، فأحل الله لهم الأكل والشرب والجماع إلى قبيل طلوع الفجر .

وأخرج ابن حنظلة في تاريخه والنحاس في ناسخه والطبراني عن معقل بن حنظلة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال " كان على النصارى صوم شهر رمضان ، فمرض ملكهم فقالوا : لئن شفاه الله لنزيدن عشرا ، ثم كان آخر فأكل لحما فأوجع فوه ، فقالوا : لئن شفاه الله لنزيدن سبعة ، ثم كان عليهم ملك آخر فقالوا : ما تدع من هذه الثلاثة أيام شيئا أن نتمها ونجعل صومنا في الربيع ، ففعل فصارت خمسين يوما " .

وأخرج ابن جرير عن الربيع في قوله { كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم } قال : كتب عليهم الصيام من العتمة إلى العتمة .

وأخرج ابن جرير عن مجاهد { كما كتب على الذين من قبلكم } قال : أهل الكتاب . وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله { لعلكم تتقون } من الطعام والشراب والنساء مثل ما اتقوا .