قوله : ( يَأَيُّهَا الذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ) إلى قوله : ( إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) [ 182-183 ] .
أي : فرض عليكم أن تصوموا أياماً معدودات كما كتب على الذين من قبلكم الصيام( {[5574]} ) ، يعني/النصارى .
وقال( {[5575]} ) الشعبي : " فرض على النصارى( {[5576]} ) شهر( {[5577]} ) رمضان كما فرض علينا ، فحوَّلوه إلى الفصل ، وذلك أنهم( {[5578]} ) ربما صاموه في القيظ فعدّوا ثلاثين يوماً( {[5579]} ) ، ثم أتى قوم من بعدهم ، فأخذوا بالشقة لأنفسهم ، فصاموا قبل الثلاثين يوماً وبعدها يوماً . ثم لم يزل الآخر يستن( {[5580]} ) بسنة القرن الذي قبله ويزيد يوماً أولاً ويوماً آخر . حتى صار إلى الخمسين يوماً ، وقال : لو صمت السنة كلها لأفْطَرْتُ اليوم الذي يشك فيه ، فيقال من شعبان ، ويقال من رمضان " ( {[5581]} ) .
وقال السدي : " ( الذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ) هم النصارى كتب عليهم رمضان وكتب عليهم ألا يأكلوا ولا يشربوا بعد النوم ، ولا ينكحوا النساء في شهر رمضان ، فاشتد عليهم شهر رمضان وجعل يصعب( {[5582]} )/عليهم في الصيف . فلما رأوا ذلك اجتمعوا على صيام في الفصل بين الشتاء والصيف( {[5583]} ) ، وقالوا : " نزيد عشرين يوماً ، نكفر( {[5584]} ) بِهَا( {[5585]} ) ما صنعنا " . فجعلوا صيامهم خمسين يوماً ، فلم يزل المسلمون( {[5586]} ) يتركون الأكل بعد النوم وقرب النساء في ليل رمضان حتى كان من أمر أبي قيس بن صرمة وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما ما كان ، فأحل الله عز وجل لهم الأكل والشرب والجماع إلى طلوع الفجر " ( {[5587]} ) .
وقال قتادة : " كان قد كتب الله عز وجل على الناس صوم ثلاثة أيام من( {[5588]} ) كل شهر ثم فرض شهر رمضان " ( {[5589]} ) .
وقال جابر بن سمرة( {[5590]} ) : " نسخ صوم رمضان صوم يوم عاشوراء ، لأن النبي [ عليه السلام ]( {[5591]} ) كان أمر بصومه قبل أن يفرض رمضان . فمن شاء الآن صامه ومن شاء أفطره( {[5592]} ) . " ( {[5593]} ) .
وروى [ أبو ]( {[5594]} ) قتادة أن النبي [ عليه السلام ]( {[5595]} ) قال : " صَوْمُ يَوْمِ عاشوراءَ( {[5596]} ) يُكَفِّرُ سَنَةً مُسْتَقْبَلَةً " ( {[5597]} ) .
قالت عائشة رضي الله عنها( {[5598]} ) : " كان يوم عاشوراء يوماً تصومه( {[5599]} ) قريش في الجاهلية . وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه . . فلما قدم المدينة صامه ، وأمر بصيامه فنزل صوم رمضان/ ، فكان رمضان هو الفريضة( {[5600]} ) فمن شاء صام عاشوراء( {[5601]} ) ، من شاء ترك " ( {[5602]} ) .
وقال تعالى : ( كَمَا كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِن قَبْلِكُمْ )( {[5603]} ) قال : " كان كتب عليهم صيام ثلاثة أيام من كل شهر " ( {[5604]} ) .
والآية ناسخة لصيام ثلاثة أيام من كل شهر على هذا القول .
وقال أبو العالية والسدي : " هذه الآية منسوخة لأن الله تعالى كتب على من كان قبلنا إذ نام بعد المغرب لم يأكل ولم يقرب النساء ، ثم كتب علينا ذلك في هذه الآية " فقال : ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الذِين مِن قَبْلِكُمْ ) ثم نسخه( {[5605]} ) بقوله : ( أُحِلَّ( {[5606]} ) لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ [ البقرة : 186 ] الآية " ( {[5607]} ) .
وذكر الحسن عن النبي [ عليه السلام ]( {[5608]} ) أنه قال : " كانَ عَلَى النَّصَارَى صَوْمُ شَهْر ، فَمَرِضَ رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقال( {[5609]} ) لَئِنِ اللهُ شَفاهُ ليَزيدَنَّ عَشْراً ، ثُمَّ كانَ آخرُ فَأَكَلَ لَحْماً فَأَوْجَعَ فاهُ ، فقالَ : لَئِنِ اللهُ شَفاهُ لَيزيدَنَّ سَبْعاً ، ثُمَّ كَانَ مَلِكٌ آخَرٌ فَقال : " لَتَتِمَّنَ هَذِهِ السَّبْعَةُ عَشْراً( {[5610]} ) ، وَلأَجْعَلَنَّ صَوْمَنا في الرّبيعِ " ، قالَ : فصارَ خمْسينَ( {[5611]} ) يوْماً " ( {[5612]} ) . يعني : ب " الرجال " : ملوكاً سنوا سنناً وزادوا وبدلوا الأوقات .
واختار الطبري قول من قال : " فرض على من كان قبلنا( {[5613]} ) من أهل الكتاب صوم شهر رمضان ففرضه علينا " . وقال : ( كَمَا كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِن قَبْلِكُمْ ) . واستدل على ذلك أن مَن بعدَ إبراهيم –عليه السلام- من الأنبياء( {[5614]} )/كانوا مأمورين بالاتباع له ؛ وذلك أنَّ الله تعالى جعله [ إماماً للناس ]( {[5615]} ) وأخبرنا أن دينه كان [ الحنيفة المسلمة ]( {[5616]} ) ، وأمر نبينا عليه السلام باتباعه فدل على أن إبراهيم صلى الله عليه وسلم ومن كان بعده من الأنبياء صلوات الله( {[5617]} ) عليهم فرض/عليهم( {[5618]} ) صوم شهر/رمضان كما فرضه( {[5619]} )/الله تعالى علينا الآن ، فوقع التشبيه على الوقت( {[5620]} ) .
وقيل : إنما فرض الله علينا شهراً( {[5621]} ) ، كما فرضه على من كان قبلنا شهراً ، وفرض علينا ترك الأكل والوطء بعد النوم ، ثم( {[5622]} ) أباحه لنا( {[5623]} ) إلى الفجر .
وقوله : ( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ) [ 182 ] .
أي تتقون أكل الطعام وشرب الشراب ، وجماع النساء فيه . وهو معنى قول السدي وغيره( {[5624]} ) .
وقيل : معناه : إن الصيام( {[5625]} ) وصلة إلى( {[5626]} ) التقى( {[5627]} ) . فكأنه " صوموا( {[5628]} ) ليقوى رجاؤكم في التقوى " .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.