فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (183)

الصيام : لغة الإمساك عن الشيء وفي الشرع الإمساك عن المفطرات كالأكل والشرب والوقاع في زمان مخصوص هو من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس ولابد في صحته من النية وأن يقع في غير يومي العيد بالاتفاق ولابد للصائم من الإسلام والنقاء من الحيض والنفاس ومن العقل كل اليوم ، ومن انتفاء الإغماء في جزء من اليوم قال القفال انظروا إلى عجيب ما نبه الله عليه من سعة فضله ورحمته في هذا التكليف فبين أولا أن لهذه الأمة في هذا التكليف أسوة بالأمم السالفة فإن الأمور الشاقة إذا عمت خفت ثم بين ثانيا وجه الحكمة في إيجاب الصوم وحصول التقوى ثم بين ثالثا أنه مختص بأيام قلائل لا بكلها ولا بأكثرها ثم بين رابعا أنه خصه من الأوقات بالشهر الذي أنزل فيه القرآن ليعلم شرفه فتوطن النفس له ثم ذكر خامسا إزالة المشقة في إلزامه فأباح تأخيره لمن شق عليهم من المسافرين والمرضى إلى زمن الرفاهية والصحة -وهي هيئة يكون بها بدن الإنسان في مزاجه وتركيبه بحيث يصدر عنها الأفعال كلها سليمة- والمرض زوالها { لعلكم تتقون } هذا أول بركات الصيام وثمراته فهو وقاية من النار ووقاية من المعاصي والأوزار وصلوات الله وسلامه على صفوة الأبرار نبينا محمد الصادق المختار ، روى البخاري ومسلم في صحيحهما من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال الله عز وجل كل عمل ابن آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به والصيام جنة . . ) وفي رواية للبخاري ( يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ) وفي رواية لمسلم ( كل عمل ابن آدم يضاعف الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف قال الله تعالى إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به يدع طعامه وشهوته من أجلي ) وعن سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال : قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( ما من عبد يصوم يوما في سبيل الله إلا باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفا ){[587]} متفق عليه{[588]} وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) متفق عليه . ومن المتفق عليه كذلك ما رواه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ( إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وأغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ) .


[587]:سبعين خريفا أي مدة سير سبعين عاما.
[588]:متفق عليه أي اتفق البخاري ومسلم رحمهما الله تعالى على روايته.