نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيۡكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَتَّقُونَ} (183)

ولما أباح{[7341]} سبحانه الأكل مما خلقه دليلاً على الوحدانية والرحمة العامة والخاصة ، وكان من طبع الإنسان الاستيثار ، وكان الاستيثار جارّاً إلى الفتن ، وأتبعه حكم المضطر ، وأشار إلى زجره عن العدوان بتقييده عنه في حال التلف ، فكان في ذلك زجر لغيره بطريق الأولى ، وأولاه الندب إلى التخلي عما دخل في اليد من متاع الدنيا للأصناف الستة ومن لافهم ، ثم الإيجاب بالزكاة تزهيداً في زهرة الحياة الدنيا ليجتث{[7342]} العدوان من أصله ، وقفى{[7343]} ذلك بحكم من قد يعدو ، ثم بما تبعه من التخلي عن المال في حضرة الموت فتدربت{[7344]} النفس في الزهد بما هو معقول المعنى بادىء بدء من التخلي{[7345]} عنه لمن ينتفع به ، أتبعه الأمر بالتخلي{[7346]} عنه لا لمحتاج إليه ، بل لله الذي أوجده لمجرد تزكية النفس وتطهيرها لتهيئها{[7347]} لما يقتضيه{[7348]} عليها صفة الصمدية من الحكمة ، هذا {[7349]}مع ما{[7350]} للقصاص والوصية{[7351]} من المناسبة للصوم ؛ من حيث إن في القصاص قتل النفس حساً ، وفي الصوم قتل الشهوة ، السبب للوطء السبب لإيجاد النفس حساً{[7352]} وفيه حياة الأجساد معنى وفي الصوم حياة الأرواح بطهارة القلوب وفراغها للتفكر{[7353]} وتهيئها لإفاضة الحكمة والخشية الداعية إلى{[7354]} التقوى وإماتة الشهوة ، وشهره{[7355]} شهر الصبر المستعان به على الشكر ، وفيه تذكير بالضّرّ{[7356]} الحاثّ على الإحسان إلى المضرور ، وهو مدعاة إلى التخلي من الدنيا والتحلي{[7357]} بأوصاف الملائكة ، ولذلك نزل فيه القرآن المتلقى{[7358]} من الملك{[7359]} ، فهو أنسب شيء لآية الوصية المأمور بها المتقون بالتخلي من الدنيا عند مقاربة الاجتماع بالملائكة ، وختمها بالمغفرة والرحمة إشارة إلى أن الصائم من أقرب الناس إليهما فقال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا{[7360]} } فخاطب بما يتوجه{[7361]} بادئ بدء{[7362]} إلى أدنى الطبقات التي التزمت أمر الدين{[7363]} لأنه{[7364]} لم يكن لهم باعث{[7365]} حب وشوق{[7366]} يبعثهم{[7367]} على فعله من غير فرض بخلاف ما فوقهم من رتبة المؤمنين والمحسنين فإنهم كانوا يفعلون معالم الإسلام من غير إلزام ، فكانوا يصومون على قدر ما يجدون من الروح فيه - قاله{[7368]} الحرالي ، وقال : فلذلك{[7369]} لم ينادوا في{[7370]} القرآن نداء بعدٍ ولا ذكروا إلا ممدوحين ، والذين ينادون في القرآن هم الناس الذين انتبهوا لما أشار به بعضهم على بعض والذين آمنوا بما هم في محل الائتمار متقاصرين عن البدار{[7371]} ، فلذلك كل نداء في القرآن متوجه إلى هذين الصنفين إلا{[7372]} ما توجه للإنسان بوصف{[7373]} ذم في قليل من الآي - انتهى{[7374]} .

كتب } أي فرض بما استفاض في لسان الشرع وتأيد بأداة الاستعلاء { عليكم الصيام } و{[7375]}هو الإمساك عن المفطر من طلوع الفجر إلى غروب الشمس بالنية{[7376]} وقال الحرالي{[7377]} : فرض لما فيه من التهيؤ لعلم الحكمة وعلم ما لم تكونوا تعلمون وهو الثبات على تماسك عما من شأن الشيء أن يتصرف{[7378]} فيه ويكون شأنه كالشمس في وسط السماء ، يقال : صامت{[7379]} - إذا لم{[7380]} يظهر لها{[7381]} حركة لصعود ولا لنزول التي هي{[7382]} من شأنها ، وصامت الخيل - إذا لم تكن{[7383]} مركوضة ولا{[7384]} مركوبة ، فتماسك{[7385]} المرء عما{[7386]} شأنه فعله من حفظ بدنه بالتغذي وحفظ نسله بالنكاح وخوضه في زور القول وسوء الفعل هو صومه ، وفي الصوم{[7387]} خلاء من الطعام وانصراف عن حال الأنعام وانقطاع شهوات الفرج ، وتمامه الإعراض عن أشغال{[7388]} الدنيا والتوجه إلى الله والعكوف في بيته ليحصل بذلك نبوع الحكمة من القلب ، وجعل كتباً حتى لا يتقاصر عنه من كتب عليه إلا انشرم{[7389]} دينه كما ينشرم{[7390]} خرم{[7391]} القربة{[7392]} المكتوب {[7393]}فيها - انتهى{[7394]} .

كما كتب } أي فرض ، فالتشبيه في مطلق الفرض{[7395]} { على الذين } وكأنه أريد أهل الكتابين فقط{[7396]} وأثبت{[7397]} الحال{[7398]} فقال : { من قبلكم } فيه إشعار بأنه مما نقضوا فيه العهد فكتموه حرصاً على ضلال العرب ، ولما كان في التأسي{[7399]} إعلاء للهمة القاصرة وإسعار{[7400]} وإغلاء للقلوب الفاترة لأن الشيء الشاق إذا عم سهل{[7401]} تحمله قال : { لعلكم تتقون * } أي تجعلون بينكم وبين إسخاط الله وقاية بالمسارعة إليه والمواظبة عليه ، رجاء لرضى ربكم وخوفاً ممن{[7402]} سبق من قبلكم ، لتكون{[7403]} التقوى لكم صفة راسخة فتكونوا{[7404]} ممن جعلت الكتاب هدى لهم ، فإن الصوم يكسر الشهوة فيقمع الهوى فيروع{[7405]} عن موافقة{[7406]} السوء . قال الحرالي{[7407]} : وفي إشعاره تصنيف{[7408]} المأخوذين بذلك صنفين : من يثمر{[7409]} له صومه على وجه الشدة تقوى{[7410]} ، {[7411]}ومن لا يثمر له ذلك{[7412]} .


[7341]:زيد في ظ: الله
[7342]:من م، ووقع في الأصل: ليحث، وفي مد: ليحثت، وفي ظ: ليجبث – مصحفا.
[7343]:من م ومد وظ، وفي الأصل: وقع.
[7344]:من م ومد وظ، وفي الأصل: فقد رتب.
[7345]:من م ومد وظ، وفي الأصل: التجلي.
[7346]:من م ومد وظ، وفي الأصل: التجلي.
[7347]:في الأصل: ليتهتها، وفي ظ: لتهييها وفي مد: لتهتها – كذا.
[7348]:في الأصل: يقتضيه، وفي م نقيضه، وفي مد: نقيضه وفي ظ: تقيضه.
[7349]:من مد وفي بقية الأصول: ما مع.
[7350]:من مد وفي بقية الأصول: ما مع.
[7351]:من م وظ ومد وفي الأصل: الصوم.
[7352]:زيدت من مد وظ.
[7353]:من م ومد وظ، ووقع في الأصل: للتنكرة – مصحفا.
[7354]:من م وظ ومد، وزفي الأصل: في .
[7355]:من م وفي مد وظ: شهرة وفي الأصل: شهوة.
[7356]:من م ومد وظ، وفي الأصل: بالصبر.
[7357]:من مد، وفي ظ: التخلي، وفي الأصل: التخلي.
[7358]:من م وظ ومد، وفي الأصل: التلقي.
[7359]:في ظ: الملائكة.
[7360]:مناسبة لهذه الآية لما قبلها أنه أخبر تعالى أولا بكتب القصاص وهو إتلاف النفوس وهو من أشق التكاليف فيجب على القاتل إسلام نفسه للقتل، ثم أخبر ثانيا بكتب الوصية وهو إخراج المال الذي هو عديل الروح، ثم انتقل ثالثا إلى كتب الصيام هو منهك للبدن مضعف له مانع وقاطع ما ألفه الإنسان من الغذاء بالنهار، فابتدأ بالأشق ثم بالأشق بعده ثم بالشاق، فهذا انتقال فيما كتبه الله على عباده في هذه الآية، وكان فيما قبل ذلك قد ذكر أركان الإسلام ثلاثة: الإيمان والصلاة والزكاة ، فأتى بهذا الركن الرابع وهو الصوم - البحر المحيط 2 / 28
[7361]:من م ومد وظ، وفي الأصل: بادني بد.
[7362]:من م ومد وظ، وفي الأصل: بادني بد.
[7363]:زيد من م وظ ومد.
[7364]:في ظ: لأنهم.
[7365]:من م وظ ومد وفي الأصل: باحث.
[7366]:من م ومد وظ، وفي الأصل: شرق – كذا.
[7367]:في م ومد: ببعثهم.
[7368]:من مد وظ، وفي الأصل: قال.
[7369]:من م، وفي بقية الأصول: كذلك.
[7370]:من م وظ ومد، وفي الأصل: إلى.
[7371]:من م ومد وظ، وفي الأصل: البزار.
[7372]:من مد وظ، وفي الأصل وم: إلى.
[7373]:في مد: يوجه.
[7374]:ليس في ظ.
[7375]:ليس في مد.
[7376]:ليس في م.
[7377]:وقال أبو حيان الأندلسي: الصيام والصوم مصدران لصام، والعرب تسمى كل ممسك صائما ومنه الصوم في الكلام "إني نذرت للرحمن صوما" أي سكوتا في الكلام، وصامت الريح أمسكت عن الهبوب، والدابة أمسكت عن الأكل والجرى، وقال النابغة الذبياني: خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما أي ممسكة عن الجري تسمى الدابة التي لا تدور الصائمة...وقالوا: صام النهار ثبت حرء في وقت الظهيرة واشتد...ومصام النجوم إمساكها عن السير ومنه كأن الثريا علقت في مصامها.
[7378]:من م ومد وظ، وفي الأصل: يتصدق.
[7379]:في م: صاحب.
[7380]:في م: تظهرها.
[7381]:في م: تظهرها.
[7382]:زيد من مد.
[7383]:في ظ: لم تلزم.
[7384]:زيد من م ومد.
[7385]:وقع في الأصل: فيماشك – مصحفا، والتصحيح من م ومد وظ.
[7386]:زيد في مد وظ: من.
[7387]:في الأصل: العدم، والتصحيح من م ومد وظ.
[7388]:من م، وفي مد وظ: اشتغال، وفي الأصل: انتقال – كذا.
[7389]:شرم الشيء يشرمه شرما شقه، وانشرم الجلد انشق – قطر المحيط 1 / 1034.
[7390]:في م: بتشرم.
[7391]:في م ومد وظ: خرز.
[7392]:من م ومد وظ، وفي الأصل: القرية.
[7393]:في م: المكتوم.
[7394]:ليس في ظ.
[7395]:في م وظ ومد: الفرضية.
[7396]:ليس في م ومد وظ.
[7397]:في م ومد وظ: فأثبت.
[7398]:في م ومد وظ: الجار وفي البحر المحيط 2 / 29: الظاهر أن هذا المجرور في موضع الصفة لمصدر محذوف أو في موضع الحال على مذهب سيبويه على ما سبق أي كتبا مثل ما كتب....ظاهره عموم الذين من قبلنا من الأنبياء وأممهم من آدم إلى زماننا، وقال علي: أولهم آدم، فلم يفترضها عليكم يعني أن الصوم عبادة قديمة أصلية ما أخلى الله امة من افتراضها عليهم فلم يفترضها عليكم خاصة، وقيل: الذين من قبلنا النصارى...وقيل كذا كان صوم اليهود فيكون المراد بالذين من قبلنا اليهود والنصارى.
[7399]:من مد وظ، وفي الأصل: الناس.
[7400]:من م ومد، وفي الأصل وظ: إشعار.
[7401]:في الأصل: سهلة والتصحيح من بقية الأصول.
[7402]:من مد وظ، وفي الأصل وم: من.
[7403]:في م ومد: لكم لتكون وفي ظ: لكم ليكون وفي الأصل: لم تكون.
[7404]:في م ومد، فيكونوا.
[7405]:من م وظ ومد، وفي الأصل: فيرفع.
[7406]:في م وظ: موافقه وفي مد: مواقعة.
[7407]:قال أبو حيان الأندلسي: قال الراغب: للصوم فائدتان: رياضة الإنسان نفسه عما تدعو إليه من الشهوات، والاقتداء بالملأ الأعلى على قدر الوسع – انتهى. وحكمة التشبيه أن الصوم عبادة شاقة فإذا ذكر أنه كان مفروضا على من تقدم من الأمم سهلت هذه العبادة "نتقون" الظاهر تعلق 'لعل' بكتب، أي سبب فرضية الصوم وهو رجاء حصول التقوى لكم، فقيل: المعنى تدخلون في زمرة المتقين لن الصوم شعارهم، وقيل تجعلون بينكم وبين النار وقاية بترك المعاصي فغن الصوم شعارهم، وقيل: تجعلون بينكم وبين النار وقاية بترك المعاصي فإن الصوم لإضعاف الشهوة وردعها كما قال عليه السلام: فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء.
[7408]:من م ومد وفي الأصل وظ: نصف.
[7409]:من م ومد وظ: وفي الأصل: مثمر.
[7410]:ليس في م.
[7411]:ليست في م.
[7412]:ليست في م.