{ أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ } كلام مستأنف مسوق لتقرير ما قبله من قوله تعالى : { وكذلك نَجْزِي } [ طه : 127 ] الآية والهمزة للإنكار التوبيخي والفاء للعطف على مقدر يقتضيه المقام . واستعمال الهداية باللام إما لتنزيلها منزلة اللازم فلا حاجة إلى المفعول أو لأنها بمعنى التبيين والمفعول الثاني محذوف . وأياً ما كان فالفاعل ضميره تعالى وضمير { لَهُمْ } للمشركين المعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم . والمعنى أغفلوا فلم يفعل الله تعالى لهم الهداية أو فلم يبين عز وجل لهم العبر .
وقوله تعالى : { كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ القرون } إما بيان بطريق الالتفات لتلك الهداية أو كالتفسير للمعفول المحذوف ، وقيل : فاعل { يَهْدِ } ضميره صلى الله عليه وسلم ، وقيل : ضمير الاهلاك المفهوم من قوله تعالى : { كَمْ أَهْلَكْنَا } والجملة مفسره له ، وقيل : الفاعل محذوف أي النظر والاعتبار ونسب ذلك إلى المبرد ، وففيه حذف الفاعل وهو لا يجوز عند البصريين ، وقال الزمخشري : الفاعل جملة { كَمْ أَهْلَكْنَا } الخ ووقوع الجملة فاعلاً مذهب كوفي ، والجمهور على خلافه لكن رجح ذلك هنا بأن التعليل فيما بعد يقتضيه . ورجح كون الفاعل ضميره تعالى شأنه بأنه قد قرأ فرقة منهم ابن عباس . والسلمي { أَفَلَمْ } بالنون . واختار بعضهم عليه كون الفعل منزلاً منزلة اللازم وجملة { لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا } بياناً لتلك الهداية ، وبعض آخر كونه متعدياً والمفعول مضمون الجملة أي أفلم يبين الله تعالى لهم مضمون هذا الكلام ، وقيل : الجملة سادة مسد المفعول والفعل معلق عنها ، وتعقب بأن { كَمْ } هنا خبرية وهي لا تعلق عن العمل وإنما التي تعلق عنه كم الاستفهامية على ما نص عليه أبو حيان في البحر لكن أنت تعلم أنه إذا كان مدار التعليق الصدارة كما هو الظاهر فقد صرح ابن هشام بأن لكل من كم الاستفهامية وكم الخبرية ما ذكر ورد في المغنى قول ابن عصفور : { أن كَمْ } في الآية فاعل يهد بأن لها الصدر ثم قال : وقوله إن ذلك جاء على لغة رديئة حكاها الأخفش عن بعضهم أنه يقول ملكت كم عبيد فيخرجها عن الصدرية خطأ عظيم إذ خرج كلام الله تعالى شأنه على هذه اللغة انتهى . وهو ظاهر في أنه قائل بأن كم هنا خبرية ولها الصدر . نعم نقل الحوفي عن بعضهم أنه رد القائل بالفاعلية بأنها استفهامية لا يعمل ما قبلها فيها والظاهر خبريتها وهي مفعول مقدم لأهلكنا و { مّنَ القرون } متعلق بمحذوف وقع صفة لمميزها أي كن قرن كائن من القرون { يَمْشُونَ فِى مساكنهم } حال من { القرون } أو من مفعول { أَهْلَكْنَا } أي أهلكناهم وهم في حال أمن وتقلب في ديارهم .
واختار في البحر كونه حالاً من الضمير في { لَهُمْ } مؤكداً للإنكار والعامل في «يهد » أي أفلم يهد للمشركين حال كونهم ماشين في مساكن من أهلكنا من القرون السالفة من أصحاب الحجر . وثمود . وقوم لوط مشاهدين لآثار هلاكهم إذا سافروا إلى الشام وغيره ، وتوهم بعضهم أن الجملة في موضع الصفة للقرون وليس كذلك ، وقرأ ابن السميقع «يمشون » بالتشديد والبناء للمفعول أي يمكنون في المشي { إِنَّ فِى ذَلِكَ } تعليل للإنكار وتقرير للهداية مع عدم اهتدائهم . { وَذَلِكَ } اشارة إلى مضمون قوله تعالى : { كَمْ أَهْلَكْنَا } الخ ، وما فيه من معنى البعد للإشعار ببعد منزلته وعلو شأنه في بابه .
{ لآيات } كثيرة عظيمة ظاهرات الدلالة على الحق ، وجوز أن تكون كلمة في تجريدية كما فيل في قوله عز وجل : { لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ في رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } { لأولي النهى } أي لذوي العقول الناهية عن القبائح التي من أقبحها ما يتعاطاه هؤلاء المنكر عليهم من الكفر بآيات الله تعالى والتعامي عنها وغير ذلك من فنون المعاصي .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.