مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{أَفَلَمۡ يَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ} (128)

قوله تعالى :{ أفلم يهد لهم كم أهلكنا قبلهم من القرون يمشون في مساكنهم إن في ذلك لآيات لأولي النهى ، ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى ، فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى }

اعلم أنه تعالى لما بين أن من أعرض عن ذكره كيف يحشر يوم القيامة أتبعه بما يعتبر [ به ] المكلف من الأحوال الواقعة في الدنيا بمن كذب الرسل فقال : { أفلم يهد لهم } والقراءة العامة أفلم يهد بالياء المعجمة من تحت وفاعله هو قوله : { كم أهلكنا } قال القفال : جعل كثرة ما أهلك من القرون مبينا لهم ، كما جعل مثل ذلك واعظا لهم وزاجرا ، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي أفلم نهد لهم بالنون ، قال الزجاج : يعني أفلم نبين لهم بيانا يهتدون به لو تدبروا وتفكروا ، وأما قوله : { كم أهلكنا } فالمراد به المبالغة في كثرة من أهلكه الله تعالى من القرون الماضية وأراد بقوله : { يمشون في مساكنهم } أن قريشا يشاهدون تلك الآيات العظيمة الدالة على ما كانوا عليه من النعم ، وما حل بهم من ضروب الهلاك ، وللمشاهدة في ذلك من الاعتبار ما ليس لغيره ، وبين أن في تلك الآيات آيات لأولى النهى ، أي لأهل العقول والأقرب أن للنهية مزية على العقل ، والنهي لا يقال إلا فيمن له عقل ينتهي به عن القبائح ، كما أن لقولنا : أولو العزم مزية على أولو الحزم ، فلذلك قال بعضهم : أهل الورع وأهل التقوى ،