السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{أَفَلَمۡ يَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ} (128)

ولما بيّن الله تعالى أنَّ من أعرض عن ذكره كيف يحشر يوم القيامة اتبعه بما يعتبر به المكلف من الأفعال الواقعة في الدنيا ممن كذب الرسل ، فقال : { أفلم يهد } أي : يبين بياناً يقود إلى المقصود { لهم } أي : هؤلاء الذين أرسلت إليهم أعظم رسلي ، وفاعل يهد مضمون قوله : { كم أهلكنا } وقال أبو البقاء : الفاعل ما دل عليه أهلكنا أي : إهلاكنا ، والجملة مفسرة له ، وقال الزمخشري : فاعل لم يهد الجملة بعده يريد : ألم يهد لهم هذا بمعناه ومضمونه ، ونظيره قوله تعالى : { وتركنا عليه في الآخرين 78 سلام على نوح في العالمين } [ الصافات : 78 ، 79 ] ، أي : تركنا عليه هذا الكلام ، ويجوز أن يكون فيه ضمير الله أو الرسول انتهى . وكم خبرية مفعول أهلكنا { قبلهم من القرون } أي : بتكذيبهم لرسلنا حال كونهم { يمشون } أي : هؤلاء العرب من أهل مكة وغيرهم { في مساكنهم } أي : في سفرهم إلى الشام ، ويشاهدون آثار هلاكهم { إن في ذلك } أي : الإهلاك العظيم الشأن المتوالي في كل أمة { لآيات } عظيمات بينات { لأولي النهى } أي : لذوي العقول الناهية عن التغافل والتعامي .