فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للشوكاني - الشوكاني  
{أَفَلَمۡ يَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ} (128)

قوله : { أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ } الاستفهام للتقريع والتوبيخ ، والفاء للعطف على مقدّر ، كما مرّ غير مرّة ، والجملة مستأنفة لتقرير ما قبلها وفاعل " يهد " هو الجملة المذكورة بعدها ، والمفعول محذوف ، وأنكر البصريون مثل هذا لأن الجمل لا تقع فاعلاً ، وجوّزه غيرهم . قال القفال : جعل كثرة ما أهلك من القرون مبيناً لهم . قال النحاس : وهذا خطأ ؛ لأن «كم » استفهام ، فلا يعمل فيها ما قبلها . وقال الزجاج : المعنى : أو لم يهد لهم الأمر بإهلاكنا من أهلكناه ، وحقيقته تدل على الهدى ، فالفاعل هو الهدى ، وقال : «كَمْ » في موضع نصب ب{ أهلكنا } . وقيل : إن فاعل { يهد } ضمير للّه أو للرسول ، والجملة بعده تفسره ، ومعنى الآية على ما هو الظاهر : أفلم يتبين لأهل مكة خبر من { أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّنَ القرون } حال كون القرون { يَمْشُونَ فِي مساكنهم } ويتقلبون في ديارهم ، أو حال كون هؤلاء يمشون من مساكن القرون الذين أهلكناهم عند خروجهم للتجارة وطلب المعيشة ، فيرون بلاد الأمم الماضية ، والقرون الخالية خاوية خاربة من أصحاب الحجر وثمود وقرى قوم لوط ، فإن ذلك مما يوجب اعتبارهم ، لئلا يحل بهم مثل ما حل بأولئك ، وقرأ ابن عباس والسلمي : «نهد » بالنون ، والمعنى على هذه القراءة واضح ، وجملة : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيات لأولِي النهى } تعليل للإنكار وتقرير للهداية ، والإشارة بقوله : { ذلك } إلى مضمون { كم أهلكنا } إلى آخره . والنهى : جمع نهية ، وهي العقل ، أي لذوي العقول التي تنهي أربابها عن القبيح .

/خ135