فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{أَفَلَمۡ يَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّنَ ٱلۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي ٱلنُّهَىٰ} (128)

{ أفلم يهد لهم } الاستفهام للتقريع والتوبيخ وقرئ بالنون ، والمعنى على هذا واضح والجملة مستأنفة لتقرير ما قبلها { كم أهلكنا قبلهم من القرون } قال القفال : جعل كثرة ما أهلك من القرون مبينا لهم ، قال النحاس : وهذا خطأ لأن كم استفهام فلا يعمل فيها ما قبلها .

وقال الزجاج : المعنى أفلم يهد لهم الأمر بإهلاكنا من أهلكناه ، وحقيقته تدل على الهدى فالفاعل هو الهدى ، وقيل الفاعل ضمير الله أو الرسول أو القرآن ، والجملة بعده تفسره .

ومعنى الآية على ما هو الظاهر : أفلم يتبين لأهل مكة خبر من أهلكنا قبلهم من القرون حال كون تلك القرون { يمشون في مساكنهم } ويتقلبون في ديارهم فيعتبروا بهذا الإهلاك فيرجعوا عن تكذيب الرسول أو حال كون هؤلاء يمشون في مساكن القرون الذين أهلكناهم عند خروجهم للتجارة ، وطلب المعيشة إلى الشام وغيرها ، فيرون بلاد الأمم الماضية والقرون الخالية خاوية خاربة من أصحاب الحجر وثمود ، وقرى قوم لوط فإن ذلك مما يوجب اعتبارهم لئلا يحل بهم مثل ما حل بأولئك .

{ إن في ذلك لآيات } أي لعبرا { لأولي النهى } تعليل للإنكار وتقرير للهداية ، والإشارة إلى مضمون كم أهلكنا ، والنهى جمع نهية وهي العقل ، أي بذوي العقول التي تنهي أربابها عن القبيح .