{ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السماء بالغمام } العامل في { يَوْمٍ } إما اذكر أو ينفرد الله تعالى بالملك الدال عليه قوله تعالى : { الملك يَوْمَئِذٍ الحق للرحمن } [ الفرقان : 26 ] وقيل العامل ذلك بمعناه المذكور . وقيل : إنه معطوف على { يَوْمَئِذٍ } [ الفرقان : 24 ] أو { يَوْمَ يَرَوْنَ } [ الفرقان : 22 ] و «تشقق » تتفتح والتعبير به دونه للتهويل . وأصله تتشقق فحذفت إحدى التاءين كما في { تلظى } [ الليل : 14 ] وقرأ الحرميان . وابن عامر بادغام التاء في الشين لما بينهما من المقاربة ؛ والظاهر أن المراد بالسماء المظلة لنا وبالغمام السحاب المعروف والباء الداخلة عليه باء السبب . أي تشقق السماء بسبب طلوع الغمام منها . ولا مانع من أن تشقق به كما يشق السنام بالشفرة والله تعالى على كل شيء قدير . وحديث امتناع الخرق على السماء حديث خرافة .
وقيل : باء الحال وهي باء الملابسة . واستظهر بعضهم أي تشقق متغيمة . وقيل : بمعنى عن وإليه ذهب الفراء ، والفرق بين قولك انشقت الأرض بالنبات وانشقت عنه أن معنى الأول أن الله تعالى شقها بطلوعه فانشقت به . ومعنى الثانى أن التربة ارتفعت عنه عند طلوعه ، وقيل : المراد بالغمام غمام أبيض رقيق مثل الضبابة ولم يكن إِلا لبني إسرائيل في تيههم . وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد أنه الغمام الذي يأتي الله تعالى فيه يوم القيامة المذكور في قوله سبحانه : { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام } [ البقرة : 210 ] قال ابن جريج : وهو غمام زعموا أنه في الجنة ، وعن مقاتل أن المراد بالسماء ما يعم السموات كلها وتشقق سماء سماء ، وروي ذلك عن ابن عباس ، فقد أخرج عبد بن حميد . وابن أبي الدنيا في الأهوال . وابن جرير . وابن المنذر . وابن أبي حاتم عنه رضي الله تعالى عنه أنه قرأ هذه الآية إلى قوله تعالى : { وَنُزّلَ الملائكة تَنزِيلاً } أي تنزيلاً عجيباً غير معهود فقال : يجمع الله تعالى الخلق يوم القيامة في صعيد واحد الجن والإنس والبهائم والسباع والطير وجميع الخلق فتنشق السماء الدنيا فينزل أهلها وهم أكثر ممن في الأرض من الجن والإنس وجميع الخلق فيحيطون بجميعهم فتقول أهل الأرض : أفيكم ربنا ؟ فيقولون : لا ، ثم تنشق السماء الثانية فينزل أهلها وهم أكثر من أهل السماء الدنيا ومن الجن والإنس وجميع الخلق فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم والجن والإنس وجميع الخلق ثم تنشق السماء الثالثة فينزل أهلها وهم أكثر من أهل السماء الثانية والدنيا وجميع الخلق فيحيطون بالملائكة الذين نزلوا قبلهم وبالجن والإنس وجميع الخلق ، ثم ينزل أهل السماء الرابعة وهم أكثر من أهل الثالثة والثانية والأولى وأهل الأرض ، ثم ينزل أهل السماء الخامسة وهم أكثر ممن تقدم ، ثم أهل السماء السادسية كذلك ، ثم أهل السماء السابعة وهم أكثر من أهل السموات وأهل الأرض ، ثم ينزل ربنا في ظلل من الغمام وحوله الكروبيون وهم أكثر من أهل السموات السبع والإنس والجن وجميع الخلق لهم قرون ككعوب القنا وهم تحت العرش لهم زجل بالتسبيح والتهليل والتقديس لله تعالى ما بين أخمص أحدهم إِلى كعبه مسيرة خمسمائة عام ، ومن فخذه إلى ترقوته مسيرة خمسمائة عام ، ومن ترقوته إلى موضع القرط مسيرة خمسمائة عام وما فوق ذلك خمسمائة عام ، ونزول الرب جل وعلا من المتشابه ، وكذا قوله : «وحوله الكروبيون » وأهل التأويل يقولون : المراد بذلك نزول الحكم والقضاء ، فكأنه قيل : ثم ينزل حكم الرب وحوله الكروبيون أي معه ، وأما نزول الملائكة مع كثرتهم وعظم أجسامهم فلا يمنع عنه ما يشاهد من صغر الأرض لأن الأرض يومئذ تمتد بحيث تسع أهلها وأهل السموات أجمعين ، وسبحان من لا يعجزه شيء ، ثم الخبر الظاهر في أن الملائكة عليهم السلام لا ينزلون في الغمام ، وذكر بعضهم في الآية أن السماء تنفتح بغمام يخرج منها ، وفي الغمام الملائكة ينزلون وفي أيديهم صحائف الأعمال ، وقرأ ابن مسعود .
وأبو رجاء دونزل } ماضياً مبنياً للفاعل مشدداً ، وعنه أيضاً «وأنزل » مبنياً للفاعل وجاء مصدره تنزيلاً وقياسه إنزالاً إلا أنه لما كان معنى أنزل ونزل واحداً جاء مصدر أحدهما للآخر كما قال الشاعر :
حتى تطويت انطواء الخصب *** كأنه قال : حتى انطويت ، وقرأ الأعمش . وعبد الله في نقل ابن عطية «وأنزل » ماضياً رباعياً مبنياً للمفعول ، وقرأ جناح بن حبيش . والخفاف عن أبي عمرو «ونزل » ثلاثياً مخففاً مبنياً للفاعل ، وقرأ أبو معاذ . وخارجة عن أبي عمرو «ونزل » بضم النون وشد الزاي وكسرها ونصب «الملائكة » وخرجها ابن حنى بعد أن نسبها إلى ابن كثير . وأهل مكة على أن الأصل «ننزل » كما وجد في بعض المصاحف فحذفت النون التي هي فاء الفعل تخفيفاً لالتقاء النونين ، وقرأ أبي «ونزلت » ماضياً مشدداً مبنياً للمفعول بتاء التأنيث . وقال صاحب اللوامح عن الخفاف عن أبي عمرو «ونزل » مخففاً مبنياً للمفعول و «الملائكة » بالرفع فإن صحت القراءة فإنه حذف منها المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه . والتقدير ونزل نزول الملائكة فحذف النزول ونقل إعرابه إلى الملائكة بمعنى نزل نازل الملائكة لأن المصدر يكون بمعنى الاسم اه ، وقال الطيبي : قال ابن جنى : نزل بالبناء للفعول غير معروف لأن نزل لا يتعدى إلى مفعول به ولا يقاس بجن حيث أنه مما لا يتعدى إلى المفعول فلا يقال جنة الله تعالى بل أجنة الله تعالى ، وقد بني للمفعول لأنه شاذ والقياس عليه مرود فأما أن يكون ذلك لغة نادرة وإما أن يكون من حذف المضاف أي نزل نزول الملائكة فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه قال العجاج :
حتى إذا اصطفوا له حذاراً *** فحذاراً منصوب مصدراً لا مفعولاً به يريد اصطفوا له اصطفافاً حذاراً ونزل نزول الملائكة على حذ قولك : هذا نزول منزول وصعود مصعود وضرب مضروب وقريب منه ، وقد قيل قول وقد خيف منه خوف فاعرف ذلك فإنه أمثل ما يحتج به لهذه القراءة اه . وهو أحسن من كلام صاحب اللوامح . وعن أبي عمرو أيضاً أنه قرأ { نُنَزّلُ الملائكة } فهذه مع قراءة الجمهور وما في بعض المصاحف عشرة قراءات وما كان منها بصيغة المضارع وجهه ظاهر ، وأما ما كان بصيغة الماضي فوجهه على ما قيل الإشارة إلى سرعة الفعل .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.