البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَيَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلۡغَمَٰمِ وَنُزِّلَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ تَنزِيلًا} (25)

قرأ الحرميان وابن عامر { تشقق } بإدغام التاء من تتشقق في الشين هنا .

وفي ق وباقي السبعة بحذف تلك التاء ويعني يوم القيامة كقوله { السماء منفطر به } وقرأ الجمهور : { ونُزِّل } ماضياً مشدداً مبنياً للمفعول ، وابن مسعود وأبو رجاء { ونزل } ماضياً مبنياً للفاعل .

وعنه أيضاً وأنزل مبنياً للفاعل وجاء مصدره { تنزيلاً } وقياسه إنزالاً إلاّ أنه لما كان معنى أنزل ونزَّل واحداً جاز مجيء مصدر أحدما للآخر كما قال الشاعر :

حتى تطوّيت انطواء الخصب . . .

كأنه قال : حتى انطويت .

وقرأ الأعمش وعبد الله في نقل ابن عطية وأنزل ماضياً رباعياً مبنياً للمفعول مضارعه ينزل .

وقرأ جناح بن حبيش والخفاف عن أبي عمرو { ونزل } ثلاثياً مخففاً مبنياً للفاعل ، وهارون عن أبي عمرو وتنزل بالتاء من فوق مضارع نزل مشدداً مبنياً للفاعل ، وأبو معاذ وخارجة عن أبي عمرو { ونزل الملائكة } بضم النون وشد الزاي ، أسقط النون من وننزل وفي بعض المصاحف وننزل بالنون مضارع نزل مشدداً مبنياً للفاعل .

ونسبها ابن عطية لابن كثير وحده قال : وهي قراءة أهل مكة ورويت عن أبي عمرو .

وعن أبيّ أيضاً وتنزلت .

وقرأ أُبيّ ونزلت ماضياً مشدداً مبنياً للمفعول بتاء التأنيث .

وقال صاحب اللوامح عن الخفاف عن أبي عمرو : { ونُزَل } مخففاً مبنياً للمفعول { الملائكة } رفعاً ، فإن صحت القراءة فإنه حذف منها المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه وتقديره : ونزل نزول الملائكة فحذف النزول ونقل إعرابه إلى { الملائكة } بمعنى نزول نازل الملائكة لأن المصدر يكون بمعنى الاسم ، وهذا مما يجيء على مذهب سيبويه في ترتيب اللازم للمفعول به لأن الفعل يدل على مصدره انتهى .

وقال أبو الفتح : وهذا غير معروف لأن { نزل } لا يتعدى إلى مفعول فيبني هنا للملائكة ، ووجهه أن يكون مثل زكم الرجل وجن فإنه لا يقال إلاّ أزكمه الله وأجنه .

وهذا باب سماع لا قياس انتهى .

فهذه إحدى عشرة قراءة .

والظاهر أن الغمام هو السحاب المعهود .

وقيل هو الله في قوله { في ظلل من الغمام } وقال ابن جريج : الغمام الذي يأتي الله فيه في الجنة زعموا .

وقال الحسن : سترة بين السماء والأرض تعرج الملائكة فيه تنسخ أعمال بني آدم ليحاسبوا .

وقيل : غمام أبيض رقيق مثل الضبابة ولم يكن لبني إسرائيل في تيههم ، والظاهر أن { السماء } هي المظلة لنا .

وقيل : تتشقق سماء سماء قاله مقاتل .

والباء باء الحال أي متغيمة أو باء السبب أي بسبب طلوع الغمام منه كأنه الذي تتشقق به السماء كما تقول : شق السنام بالشفرة وانشق بها ونظيره قوله { السماء منفطر به } أو بمعنى عن أقوال ثلاثة .

والفرق بين الباء السببية وعن أن انشق عن كذا تفتح عنه وانشق بكذا أنه هو الشاق له .

{ ونزل الملائكة } أي إلى الأرض لوقوع الجزاء والحساب .