قوله : «وَيَوْمَ تَشَقَّقُ » العامل{[35873]} في «يَوْمَ » إمّا ( اذكر ) ، وإمّا ينفرد{[35874]} الله بالمُلْكِ يَوْمَ تشقق{[35875]} ، لدلالة قوله : { الملك يَوْمَئِذٍ الحق للرحمن } عليه . وقرأ الكوفيون{[35876]} وأبو عمرو [ هنا وفي ( ق ){[35877]} «تَشَقَّقُ » بالتخفيف ، والباقون بالتشديد{[35878]} ، وهما واضحتان ، حذف الأولون ]{[35879]} تاء{[35880]} المضارعة أو تاء التفعل على خلاف في ذلك{[35881]} ، والباقون أدغموا تاء التفعل في الشين لما بينهما من المقاربة ، وهما ك «تَظَاهَرُونَ » و «تَظَّاهَرُونَ » حذفاً وإدغاماً ، وقد مضى في البقرة{[35882]} . قوله{[35883]} : «بِالغَمَامِ » في هذه الباء{[35884]} ثلاثة أوجه :
أحدها : على السببية ، أي : بسبب الغمام ، يعني بسبب طلوعها منها{[35885]} ، ونحوه { السَّمَاءُ مُنفَطِرٌ بِهِ } [ المزمل : 18 ] كأنه الذي يتشقق به السماء{[35886]} .
الثاني : أنها للحال ، أي : مُلتَبِسَةً بالغمام{[35887]} .
الثالث : أنها بمعنى ( عَنْ ) ، أي : عن الغَمَام{[35888]} كقوله : { " يَوْمَ تَشَقَّقُ الأرض عَنْهُمْ{[35889]} }{[35890]} [ ق : 44 ] ، [ والباء وعن يتعاقبان{[35891]} ، تقول : رميت عن القوس وبالقوس ]{[35892]} .
قوله : «وَنُزِّلَ المَلاَئِكَةُ » فيها اثنتا عشرة قراءة ثنتان في المتواتر ، وعشر{[35893]} في الشاذ . فقرأ ابن كثير من السبعة «وَنُنْزِلُ » بنون مضمومة ثم أخرى ساكنة وزاي خفيفة مكسورة مضارع ( أَنْزَلَ ) ، و «المَلاَئِكَةَ » بالنصب{[35894]} مفعول به ، وكان من حق المصدر أن يجيء بعد هذه القراءة على ( إِنْزَال ) . قال أبو علي : لما كان ( أَنْزَلَ ) و ( نَزَّلَ ) يجريان مجرى واحداً أجزأ{[35895]} مصدر أحدهما عن مصدر الآخر ، وأنشد :
وَقَدْ تَطَوَّيْتُ انْطِوَاءَ الحِضْبِ{[35896]} *** . . .
لأنَّ تَطَوَّيْتُ وانْطَويْتُ بمعنى{[35897]} ، ومثله : { وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً } [ المزمل : 8 ] [ أي : تَبَتُّلاً{[35898]} ]{[35899]} وقرأ الباقون من السبعة «وَنُزِّلَ » بضم النون وكسر الزاي المشددة وفتح اللام ماضياً مبنيًّا للمفعول ، «المَلاَئِكَةُ » بالرفع{[35900]} لقيامه مقام الفاعل ، وهي موافقةٌ لمصدرها .
وقرأ ابن مسعود وأبو رجاء «وَنَزَّلَ » بالتشديد ماضياً مبنيًّا للفاعل ، وهو الله تعالى ، «المَلاَئِكَةَ » مفعول به . وعنه - أيضاً - «وَأَنْزَلَ » مبنيًّا للفاعل عداه بالتضعيف مرة ، و{[35901]} بالهمزة أخرى ، والاعتذار عن مجيء مصدره على التفعيل كالاعتذار عن ابن كثير{[35902]} . وعنه - أيضاً - «وَأُنْزِلَ » مبنيًّا للمفعول{[35903]} .
وقرأ هارون عن أبي عمرو «وَتُنَزِّلُ المَلاَئِكَةُ » بالتاء من فوق وتشديد الزاي ورفع اللام مضارعاً مبنيًّا للفاعل ، «المَلاَئِكَةُ » بالرفعِ{[35904]} مضارع «نَزَّلَ » بالتشديد ، وعلى هذه القراءة ، فالمفعول محذوف ، أي : وتُنَزِّلُ المَلاَئِكَةُ ما أُمِرَتْ أن تُنَزِّله .
وقرأ الخفَّاف عنه{[35905]} {[35906]} ، وجناح بن حبيش «وَنَزَلَ » مخففاً مبنيًّا للفاعل ، «المَلاَئِكَةُ » بالرفع{[35907]} . وخارجة عن أبي عمرو - أيضاً - وأبو معاذ «ونُزِّلَ » بضم النون وتشديد الزاي ، ونصب «المَلاَئِكَةَ »{[35908]} ، والأصل : ونُنْزِلُ بنونين حذفت ( إحداهما{[35909]} ){[35910]} وقرأ أبو عمرو وابن كثير في رواية عنهما بهذا الأصل «ونُنَزِّلَ »{[35911]} بنونين وتشديد الزاي{[35912]} . وقرأ أُبيّ «وَنُزِّلَتْ » بالتشديد مبنيًّا للمفعول{[35913]} ، «وَتُنُزِّلَتْ » بزيادة تاء في أوله ، وتاء التأنيث
وقرأ{[35916]} أبو عمرو في طريقة الخفاف عنه «وَنُزِلَ » بضم النون وكسر الزاي خفيفة مبنيًّا للمفعول{[35917]} . قال صاحب اللوامح : فإن صحت هذه القراءة فإنه حذف منها المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، تقديره : ونُزِلَ نُزُول الملائكة ، فحذف النزول ونقل إعرابه إلى «المَلاَئِكَة » بمعنى : نَزَلَ نَازِلُ الملائكة ، لأنَّ المصدر يجيء بمعنى الاسم ، وهذا مما{[35918]} يجيء على مذهب سيبويه{[35919]} ترتيب بناء اللازم للمفعول به ، لأنَّ الفعل يدل على مصدره{[35920]} . قال شهاب الدين : وهذا تمحُّلٌ كثير دعت إليه ضرورة الصناعة{[35921]} . وقال{[35922]} ابن جني : وهذا غير معروف ، لأنَّ ( نَزَلَ ) لا يتعدى إلى مفعول فيبنى هنا للملائكة{[35923]} ، ووجهه أن يكون مثل زُكِم الرَّجُلُ وجُنَّ ، فإنه لا يقال إلا أزكمه ، وأجنّه الله ، وهذا باب سماع لا قياس{[35924]} . ونظير هذه القراءة ما تقدم في سورة الكهف في قراءة من قرأ { فَلاَ يَقُومُ لَهُمْ{[35925]} يَوْمَ القِيَامَةِ وَزْناً }{[35926]} بنصب وزن من حيث تعدية القاصر ، وتقدم ما فيها .
الغَمَامُ : هو الأبيض الرقيق مثل الضباب ، ولم يكن إلاَّ لبني إسرائيل في تيههم{[35927]} . والألف واللام في «الغمام » ليس للعموم بل للمعهود ، وهو ما ذكره في قوله : { هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن يَأْتِيَهُمُ الله فِي ظُلَلٍ مِّنَ الغمام }{[35928]} [ البقرة : 210 ] قال ابن عباس : تتشقق سماء الدنيا فينزل أهلها{[35929]} ، وهم أكثر ممن في الأرض من{[35930]} الجن والإنس ، [ ثم تشقق السماء ثانية ، فينزل أهلها وهم أكثر ممن في السماء الدنيا ومن الجن والإنس ] {[35931]} ثم كذلك حتى تشقق{[35932]} السماء السابعة ، وأهل كل سماء يزيدون على أهل السماء التي قبلها ، ثم ينزل الكَرُوبِيُّون{[35933]} ، ثم حملة العرش{[35934]} .
فإن قيل : ثبت بالقياس أن نسبة الأرض إلى سماء{[35935]} الدنيا كحلقة في فلاة ، فكيف بالقياس إلى{[35936]} الكرسي والعرش ، فملائكة هذه المواضع ( بأسرها ، فكيف تتسع الأرض لكل هؤلاء ؟
فالجواب : قال بعض المفسرين : الملائكة يكونون في الغمام ، والغمام يكون ){[35937]} مقرّ الملائكة{[35938]} .