قوله تعالى : { ويوم تشقق السماء بالغمام ونزل الملائكة تنزيلا الملك يومئذ الحق للرحمان وكان يوما على الكافرين عسيرا ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا يا ويلتى ليتني لم أتخذ فلانا خليلا لقد أضلني عن الذكر بعد إذ جاءني وكان الشيطان للإنسان خذولا } .
اعلم أن هذا الكلام مبني على ما استدعوه من إنزال الملائكة فبين سبحانه أنه يحصل ذلك في يوم له صفات :
الصفة الأولى : أن في ذلك اليوم تشقق السماء بالغمام ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قوله : { إذا السماء انفطرت } يدل على التشقق وقوله : { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام } يدل على الغمام فقوله : { تشقق السماء بالغمام } جامع لمعنى الآيتين ونظيره قوله تعالى : { وفتحت السماء فكانت أبوابا } وقوله : { فهي يومئذ واهية } .
المسألة الثانية : قرأ أبو عمرو وأهل الكوفة بتخفيف الشين ههنا ، وفي سورة ق والباقون بالتشديد ، قال أبو عبيدة : الاختيار التخفيف كما يخفف تساءلون ومن شدد فمعناه تتشقق .
المسألة الثالثة : قال الفراء : المراد من قوله : { بالغمام } أي عن الغمام ، لأن السماء لا تتشقق بالغمام بل عن الغمام ، وقال القاضي : لا يمتنع أن يجعل تعالى الغمام بحيث تشقق السماء باعتماده عليه وهو كقوله : { السماء منفطر به } .
المسألة الرابعة : لابد من أن يكون لهذا التشقق تعلق بنزول الملائكة ، فقيل الملائكة في أيام الأنبياء عليهم السلام كانوا ينزلون من مواضع مخصوصة والسماء على اتصالها ، ثم في ذلك اليوم تتشقق السماء فإذا انشقت خرج من أن يكون حائلا بين الملائكة وبين الأرض فنزلت الملائكة إلى الأرض .
المسألة الخامسة : قوله : { ونزل الملائكة } صيغة عموم فيتناول الكل ، ولأن السماء مقر الملائكة فإذا تشقق وجب أن ينزلوا إلى الأرض ، ثم قال مقاتل : تشقق سماء الدنيا فينزل أهلها وهم أكثر من سكان الدنيا ، كذلك تتشقق سماء سماء ، ثم ينزل الكروبيون وحملة العرش ، ثم ينزل الرب تعالى . وروى الضحاك عن ابن عباس : قال تتشقق كل سماء وينزل سكانها فيحيطون بالعالم ويصيرون سبع صفوف حول العالم ، واعلم أن نزول الرب بالذات باطل قطعا ، لأن النزول حركة والموصوف بالحركة محدث والإله لا يكون محدثا . وأما نزول الملائكة إلى الأرض فعليه سؤال ، وذلك لأنه ثبت أن الأرض بالقياس إلى سماء الدنيا كحلقة في فلاة ، فكيف بالقياس إلى الكرسي والعرش فملائكة هذه المواضع بأسرها كيف تتسع لهم الأرض جميعا ؟ فلعل الله تعالى يزيد في طول الأرض وعرضها ويبلغها مبلغا يتسع لكل هؤلاء ، ومن المفسرين من قال : الملائكة يكونون في الغمام منه ، والله تعالى يسكن الغمام فوق أهل القيامة ويكون ذلك الغمام مقر الملائكة . قال الحسن : والغمام سترة بين السماء والأرض تعرج الملائكة فيه بنسخ أعمال بني آدم والمحاسبة تكون في الأرض .
المسألة السادسة : أما نزول الملائكة فظاهر ، ومعنى { تنزيلا } توكيد للنزول ودلالة على إسراعهم فيه .
المسألة السابعة : الألف واللام في الغمام ليس للعموم فهو للمعهود ، والمراد ما ذكروه في قوله : { هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام والملائكة } .
المسألة الثامنة : قرئ : وننزل الملائكة ، وننزل الملائكة ، ونزلت الملائكة ، ونزل الملائكة ونزل الملائكة على حذف النون الذي هو فاء الفعل من ننزل قراءة أهل مكة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.