فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَيَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلۡغَمَٰمِ وَنُزِّلَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ تَنزِيلًا} (25)

{ وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاء بِالْغَمَامِ } وصف سبحانه ههنا بعض حوادث يوم القيامة ، والتشقق : التفتح ، قرئ بتخفيف الشين وأصله : تشقق ، وقرئ مشددا على الإدغام ، والمعنى : أنها تتشقق عن الغمام لأن الباء وعن تتعاقبان ، كما تقول : رميت بالقوس . قال أبو علي الفارسي : تشقق السماء وعليها غمام كما تقول : ركب الأمير بسلاحه . أي : وعليه سلاحُه ، وخرج بثيابه ، أي : وعليه ثيابُه ، وروي أن السماء تتشقق عن سحاب رقيق ، أبيض ، مثل الضبابة . ولم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم ، وقيل : إن السماء تتشقق بالغمام الذي بينها وبين الناس ، والمعنى : أنه يتشقق السحاب بتشقق السماء . وقيل : إنها تشقق لنزول الملائكة ، كما قال سبحانه :{ وَنُزِّلَ الْمَلَائِكَةُ تَنزِيلًا } وقيل : الباء للسببية يعني بسبب طلوع الغمام منها ، كأنه الذي يشقق به السماء ، وقيل : أي متلبسة بالغمام ، وقرئ : نُنْزِلُ مخففا من الإنزال ، مضارع أنزل ، وقرئ : نزَِّل ، مشددا ماضيا مبنيا للمفعول ، وقرئ مبنيا للفاعل ، وفاعله الله سبحانه ، والملائكة منصوبة على المفعولية . وقرئ : أنزل ، وقرئ : تنزلت الملائكة ، وتأكيد هذا الفعل بقوله تنزيلا ، يدل على أن هذا التنزيل على نوع غريب ، ونمط عجيب . قال أهل العلم : هذا تنزيل رضا ورحمة ، لا تنزيل سخط وعذاب .

وعن ابن عباس{[1318]} قال في الآية : يجمع الله الخلق يوم القيامة ، في صعيد واحد ، الجن والإنس والبهائم والسباع والطير ، وجميع الخلق قتنشق السماء الدنيا ، فينزل أهلها ، وهم أكثر ممن في الأرض ، من الجن والإنس ، وجميع الخلق ، فيحيطون بالإنس والجن وجميع الخلق . فيقول أهل الأرض أفيكم ربنا ؟ فيقولون لا ، ثم تنشق السماء الثانية ، وذكر مثل ذلك ، ثم كذلك في كل سماء ، إلى السماء السابعة ، وفي كل سماء أكثر من السماء التي قبلها ، ثم ينزل ربنا في ظلل من الغمام وحوله الكروبيون ، وهم أكثر من أهل السماوات السبع والإنس والجن ، وجميع الخلق ، لهم قرون ككعوب القثاء ، وهم تحت العرش ، لهم زجل بالتسبيح والتهليل والتقديس لله تعالى ، ما بين أخمص قدم أحدهم إلى كعبه مسيرة خمسمائة عام ، ومن ركبته إلى فخده مسيرة خمسمائة عام ، ومن فخده إلى ترقوته مسيرة خمسمائة عام ، وما فوق ذلك مسيرة خمسمائة عام . أخرجه الحاكم وابن أبي الدنيا وابن جرير وغيرهم .


[1318]:حديث موقوف على ابن عباس ولا يعد حجة في مشاهدة القيامة، وفي الأسانيد التي رواها ابن جرير وغيره مجاهيل وكذابون "المطيعي".