السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{وَيَوۡمَ تَشَقَّقُ ٱلسَّمَآءُ بِٱلۡغَمَٰمِ وَنُزِّلَ ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةُ تَنزِيلًا} (25)

ثم عطف تعالى على قوله تعالى يوم يرون قوله تعالى : { ويوم تشقّق السماء } أي : كل سماء { بالغمام } أي : كما تشقق الأرض بالنبات فيخرج من خلال شقوقها ، وهو غيم أبيض رقيق مثل الضبابة ولم يكن إلا لبني إسرائيل في تيههم .

تنبيه : في هذه الباء ثلاثة أوجه : أحدها : أنها سببية ، أي : بسبب الغمام يعني سبب طلوعه منها ، ونحوه { السماء منفطر به } ( المزمل ، 18 ) كأنه الذي تتشقق به السماء ، الثاني : أنها للحال أي : ملتبسة بالغمام ، الثالث : أنها بمعنى عن أي : عن الغمام كقوله تعالى : { يوم تشقق الأرض عنهم سراعاً } ( ق ، 44 ) والباء وعن يتعاقبان تقول : رميت عن القوس ، وبالقوس ، وقرأ أبو عمرو والكوفيون بتخفيف الشين ، والباقون بتشديدها ، ثم أشار تعالى إلى جهل من طلب نزول الملائكة دفعة واحدة بقوله تعالى : { ونزل الملائكة } أي : بالتدريج بأمر حتم لا يمكنهم التخلف عنه بأمر من الأمور وغيره من الذين طلبوا أن يروهم في حال واحد . { تنزيلاً } أي في أيديهم صحائف الأعمال ؛ قال ابن عباس : تتشقق السماء الدنيا ، فينزل أهلها ، وهم أكثر ممن في الأرض من الجن والإنس ، ثم تتشقق السماء الثانية فينزل أهلها ، وهم أكثر من أهل سماء الدنيا وأهل الأرض جناً وإنساً ، ثم كذلك حتى تتشقق السماء السابعة ، وأهل كل سماء يدورون على السماء التي قبلها ، ثم تنزل الكروبيون ثم حملة العرش .

فإن قيل : ثبت أن نسبة الأرض إلى سماء الدنيا كحلقة في فلاة ، فكيف تسع الأرض هؤلاء ؟ أجاب بعض المفسرين : بأن الملائكة تكون في الغمام والغمام يكون مقر الملائكة ، ويجوز أن الله تعالى يوسع الأرض حتى تسع الجميع ، وقرأ ابن كثير بنونين الأولى مضمومة والثانية ساكنة وتخفيف الزاي ورفع اللام ، ونصب الملائكة ، والباقون بنون واحدة والزاي مشددة ونصب اللام ورفع الملائكة .