فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{ٱلصَّـٰبِرِينَ وَٱلصَّـٰدِقِينَ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡمُنفِقِينَ وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِينَ بِٱلۡأَسۡحَارِ} (17)

( الصابرين والصادقين والقانتين والمنفقين ) قد تقدم تفسير الصبر والصدق والقنوت والإنفاق ، عن قتادة قال : هم قوم صبروا على طاعته وصبروا عن محارمه وصدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وألسنتهم وصدقوا في السر والعلانية والقانتون هم المطيعون ( والمستغفرين ) هم السائلون للمغفرة وقيل أهل الصلاة وقيل هم الذين يشهدون صلاة الصبح .

وعن ابن عباس قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نستغفر بالأسحار سبعين مرة ، وعن سعيد الجريري قال بلغنا أن داود عليه السلام سأل جبريل أي الليل أفضل قال يا داود ما أدري إلا أن العرش يهتز في السحر .

وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ينزل الله تبارك وتعالى في كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول هل من سائل فأعطيه ، هل من داع فأستجيب له ، هل من مستغفر فاغفر له{[310]} " وفي الباب أحاديث وفيه وفي أمثاله مذهب السلف الإيمان به وإجراؤه على ظاهره ونفي الكيفية عنه وهو الحق .

( بالأسحار ) جمع سحر بفتح الحاء وسكونها قال الزجاج هو من حين يدبر الليل إلى أن يطلع الفجر ، وقال الراغب السحر اختلاط ظلام آخر الليل بضياء النهار ، ثم جعل ذلك اسما لذلك الوقت ، وقيل السحر من ثلث الليل الأخير إلى طلوع الفجر ، وقيل السحر عند العرب من آخر الليل ثم يستمر حكمه إلى الأسفار كله يقال له سحر ، والسَّحْر بفتح فسكون منتهى قصبة الحلقوم ، وخص الأسحار لأنها من أوقات الإجابة أو لأنها وقت الغفلة ولذة النوم .


[310]:مسلم 168 البخاري 1599. صحيح أبي داود/1117 والدارمي والاجري وابن خزيمة باختلافات في الرواية. وكان عبد الله بن عمر يصلي من الليل ثم يقول يا نافع هل جاء السحر فإذا قال نعم أقبل على الدعاء والاستغفار حتى يصبح.رواه الطبري.