الكشف والبيان في تفسير القرآن للثعلبي - الثعلبي  
{ٱلصَّـٰبِرِينَ وَٱلصَّـٰدِقِينَ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡمُنفِقِينَ وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِينَ بِٱلۡأَسۡحَارِ} (17)

{ الصَّابِرِينَ } : في أداء الأمر ، وعن ارتكاب الزنى وعلى البأساء والضرَّاء وحين البأس . وإن شئت نصبتها وأخواتها على المدح ، وإن شئت خفضتها على النعت .

{ وَالصَّادِقِينَ } : في إيمانهم ، قال قتادة : هم قوم صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وألسنتهم فصدقوا في السر والعلانية { وَالْقَانِتِينَ } : المطيعين المصلين .

{ وَالْمُنْفِقِينَ } : أموالهم في طاعة الله .

وعن أبي حازم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنَّ للهِ ملكاً ينادي : اللهم اعط مُنفقاً خلفاً ، واعطِ ممسكاً تلفاً " .

{ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالأَسْحَارِ } : قال مجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، والكلبي ، والواقدي : يعني المصلين بالأسحار . نظير قوله :

{ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [ الذاريات : 18 ] أي يصلَّون .

وقال يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي الزهري قال : قلت لزيد بن أسلم : من المستغفرين بالأسحار ؟ قال : هم الذين يشهدون الصبح .

وكذلك قال ابن كيسان : يعني صلاة الصَّبح في المسجد .

وقال الحسن : صلَّوا الصلاة إلى السحر ثم استغفروا .

قال نافع : كان ابن عمي يُحيي الليل ، ثم يقول : يا نافع أسحرنا ؟ فأقول : لا ، فيعاود الصلاة ، وإذا قلت : نعم ، فيستغفر الله ويدعو حتى الصبح .

وروى إبراهيم بن حاطب عن أبيه قال : سمعتُ رجلاً في السحر يتهجّد في المسجد وهو يقول : ربَّ أمرتني فأطعتك ، وهذا سَحَر فاغفر لي . فنظرتُ فإذا هو ابن مسعود ( رضي الله عنه ) .

وروى صالح وحماد بن سلمة عن ثابت وأبان وجعفر بن زيد عن أنس بن مالك قال :

" سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إنَّ الله عزَّ وجل يقول : " إني لأهمُّ بأهل الأرض عذاباً ؛ فإذا نظرتُ إلى عمَّار بيوتي وإلى المتهجدين وإلى المتحابين فيَّ ، وإلى المستغفرين بالأسحار صرفت عنهم " .

محمد بن راذان عن أم سعد قالت : " سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إنَّ ثلاثة أصوات يحبهم الله عزَّ وجلَّ ؛ صوت الديك ، وصوت الذي يقرأ القرآن ، وصوت المستغفرين بالأسحار " .

حمّاد بن سلمة عن سعيد الجريري قال : بلغنا أنَّ داود نبي الله سأل جبرائيل ( عليه السلام ) : أي الليل أفضل ؟ فقال : ما أدري إلا أنَّ العرش يهتز من السَحَر .

وقال سفيان الثوري : إنَّ لله ريحاً يقال لها : الصبَّحية تهب وقت الأسحار تحمل الأذكار والاستغفار إلى الملك الجبّار .

قال سفيان أنَّهُ إذا كان من أوّل الليل ، نادى مناد : ألا ليقم العابدون ، فيقومون فيصلّون ما شاء الله ، ثم ينادي مناد في شطر الليل : ليقم القانتون ، فيقومون كذلك يصلَّون إلى السَحَر .

فإذا كان نادى مناد : ألا ليقم المستغفرون ، فيقومون فيستغفرون ، ويقوم آخرون يصلَّون فيلحقون بهم . فإذا طلع الفجر نادى مناد : اللهم ليقم الغافلون فيقومون ، من فراشهم كأنهم نشروا من قبورهم .

وقال لقمان لابنهِ : " يا بُني لا يكون الديك أكيس منك ، ينادي بالأسحار وأنت نائم " .