غرائب القرآن ورغائب الفرقان للحسن بن محمد النيسابوري - النيسابوري- الحسن بن محمد  
{ٱلصَّـٰبِرِينَ وَٱلصَّـٰدِقِينَ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡمُنفِقِينَ وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِينَ بِٱلۡأَسۡحَارِ} (17)

12

ثم عدد من أوصاف عباده خمسة ووسط العاطف بينها دلالة على كمالهم في كل واحد منها ، أو إشارة إلى أن كل واحد منها يكفي في استحقاق المدح والثواب فقال : { الصابرين } أي في أداء الطاعات وعلى ترك المحظورات وعند المحن والشدائد . وقف رجل على الشبلي فقال : أيّ صبر أشد على الصابرين ؟ فقال : الصبر في الله تعالى . فقال : لا . فقال : الصبر لله . فقال : لا . فقال : الصبر مع الله . قال : لا . قال : فأي شيء ؟ قال : الصبر عن الله . فصرخ الشبلي صرخة كاد يتلف روحه . { والصادقين } أي في الأقوال وفي الأفعال بأن لا ينصرف عنها قبل تمامها ، وفي النيات بأن يمضي العزم على الخيرات . { والقانتين } والمقيمين على الطاعات والمواظبين عليها { والمنفقين } ما تيسر على من تيسر بشروطه ومصارفه وجوباً وندباً { والمستغفرين بالأسحار } أي فيها . والسحر قبل طلوع الفجر . وخص هذا الوقت لأنهم كانوا يقدمون قيام الليل حتى إذا كان السحر أخذوا في الدعاء والاستغفار هذا ليلهم وذلك نهارهم . وللاستغفار بالأسحار مزيد آثار وأنوار لأن السحر وقت النوم والغفلة ، فإذا أعرض العبد عن تلك اللذة عرض الذلة على حضرة العزة لا يبعد أن يفيض عليه سجال المغفرة وأن يطلع صبح العالم الصغير عند طلوع صبح العالم الكبير فيستنير قلب المؤمن بأنوار المعارف وآثار اللطائف . أما بيان ترتيب الأوصاف ، فالصبر يشمل أداء جميل التكاليف . ثم الإنسان قد يلتزم من نفسه ما هو غير واجب عليه ، فالصادق من يخرج عن عهدة ذلك { رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه }[ الأحزاب : 23 ] ثم المواظبة على سلوك سبيل الخيرات أمر محمود فأشير إلى ذلك بقوله : { والقانتين } ثم إن ههنا أمرين يعينان على الطاعة : الخدمة بالمال والابتهال والتضرع إلى حضرة القدس والجلال وذلك قوله : { والمنفقين والمستغفرين بالأسحار } فقوله : { والمنفقين } معناه الشفقة على خلق الله وباقي الأوصاف حاصله التعظيم لأمر الله .

/خ25