السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{ٱلصَّـٰبِرِينَ وَٱلصَّـٰدِقِينَ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡمُنفِقِينَ وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِينَ بِٱلۡأَسۡحَارِ} (17)

وقوله تعالى : { الصابرين } أي : على الطاعة وعن المعصية وعلى البأساء والضرّاء نعت { والصادقين } أي : في إيمانهم وأقوالهم قال قتادة : هم قوم صدقت نياتهم واستقامت قلوبهم وألسنتهم فصدقوا في السرّ والعلانية { والقانتين } أي : المطيعين لله { والمنفقين } أي : المتصدّقين { والمستغفرين بالأسحار } أي : أواخر الليل كأن يقولوا : اللهمّ اغفر لنا خصت بالذكر ؛ لأنها وقت الغفلة ولذة النوم ، وفي هذا كما قال البيضاوي : حصر لمقامات السالك على أحسن الترتيب أي : الذكرى فإنّ معاملته مع الله إمّا توسل وإمّا طلب ، والتوسل إمّا بالنفس وهو منعها عن الرذائل وحبسها على الفضائل والصبر يشملهما ، وإمّا بالبدن وهو إمّا قولي وهو الصدق وإمّا فعلي وهو القنوت الذي هو ملازمة الطاعة ، وإمّا بالمال وهو الإنفاق في سبيل الخير وإمّا الطلب فالاستغفار ؛ لأنّ المغفرة أعظم المطالب بل الجامع لها انتهى .

وتوسيط الواو بين الصابرين وما بعده للدلالة على استقلال كل واحد منها وكمالهم فيها أو لتغاير الموصوفين بالصفات . وتخصيص الأسحار ؛ لأن الدعاء فيها أقرب من الدعاء في غيرها إلى الإجابة ؛ لأنّ العبادة حينئذٍ أشق والنفس أصفى والعقل أجمع لمعاني الألفاظ التي ينطق بها لا سيما للمتهجد قيل : إنهم كانوا يصلون إلى السحر ثم يستغفرون ويدعون ، وعن الحسن كانوا يصلون في أوّل الليل حتى إذا كان السحر أخذوا في الدعاء والاستغفار فذا نهارهم وهذا ليلهم . وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( ينزل الله إلى سماء الدنيا أي : أمره كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الأخير فيقول : أنا الملك أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له من ذا الذي يسألني فأعطيه من ذا الذي يستغفرني فأغفر له ) .

وحكي عن الحسن أن لقمان قال لابنه : يا بنيّ لا تكن أعجز من هذا الديك يصوّت في الأسحار وأنت نائم على فراشك . وعن زيد بن أسلم أنه قال : هم الذين يصلون الصبح في جماعة . وعبر بالسحر لقربه من الصبح .