فتح الرحمن في تفسير القرآن لتعيلب - تعيلب  
{ٱلصَّـٰبِرِينَ وَٱلصَّـٰدِقِينَ وَٱلۡقَٰنِتِينَ وَٱلۡمُنفِقِينَ وَٱلۡمُسۡتَغۡفِرِينَ بِٱلۡأَسۡحَارِ} (17)

{ القانتين } الطائعين الخاضعين .

{ الأسحار } واحدها سحر وهو سدس الليل الأخير .

{ المستغفرين } السائلين ربنا المغفرة للذنوب وسترها والعفو عن العقوبة عليها .

{ الصابرين } الحابسين أنفسهم على طاعة الله والحابسيها عن معصيته والثابتين على الرشد في السراء والضراء وحين البأس { والصادقين والقانتين والمنفقين والمستغفرين بالأسحار } بعد الخصلتين الأوليين ذكر حرف العطف إما لأن الموصوف بها متعدد وإما للدلالة على استقلال كل منهما وكمالهم فيها ، فالصدق في القول والعمل والسر والعلانية يكتب صاحبه عند الله تعالى صديقا والخضوع لله الملك المهيمن والتضرع إليه سبحانه والمداومة{[888]} على طاعته وبذل المال فيها يرضي رب العزة والجلال كل أولئك مما تدرك بها الجنات وترفع به الدرجات – في ترتيب طلب المغفرة في قوله تعالى { فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار } على مجرد الإيمان دليل على كفاية في استحقاق المغفرة والوقاية من النار من غير توقف على الطاعات ، والمراد من الذنوب الكبائر والصغائر . . { والمستغفرين بالأسحار } قال مجاهد والكلبي وغيرهما بالأسحار . . عن زيد بن أسلم قال : هم الذين يشهدون صلاة الصبح من ثلث الليل بذلك لما فيها من الخفاء . . وقال بعضهم السحر من ثلث الليل الأخير إلى طلوع الفجر وتخصيص الأسحار بالاستغفار لأن الدعاء فيها أقرب إلى الإجابة إذ العبادة حينئذ أشق والنفس أصفى والروح أجمع ، وفي الصحيح أنه تعالى وتنزه عن سمات الحدوث ينزل إلى السماء الدنيا في ثلث الليل الأخير فيقول ( من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له فلا يزال كذلك حتى يطلع الفجر ){[889]} .


[888]:مما جاء في تفسير غرائب القرآن ثم إن ههنا أمرين يعينان على الطاعة الخدمة بالمال والابتهال والتضرع إلى حضرة القدس والجلال وذلك قوله {والمنفقين والمستغفرين بالأسحار} فقوله {والمنفقين} معناه الشفقة على خلق الله.
[889]:من روح المعاني بتصرف يسير.