{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ } أي ما صح وما استقام لرجل ولا امرأة من المؤمنين .
{ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً } أي قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذكر الله تعالى لتعظيم أمره بالإشارة إلى أنه عليه الصلاة والسلام بمنزلة من الله تعالى بحيث تعد أوامره أوامر الله عز وجل أو للإشعار بأن ما يفعله صلى الله عليه وسلم إنما يفعله بأمره لأنه لا ينطق عن الهوى فالنظم إما من قبيل { فَإِنَّ الله خُمسَهُ وَلِلرَّسُولِ } [ الأنفال : 41 ] أو من قبيل { والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [ التوبة : 62 ] ( أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخَيرَةُ منْ أَمْرهمْ } أي أن يختاروا من أمرهم ما شاؤوا بل يجب عليهم أن يجعلوا رأيهم تبعاً لرأيه عليه الصلاة والسلام واختيارهم تلواً لاختياره .
والخيرة مصدر من تخير كالطيرة مصدر من تطير ، ولم يجيء على ما قيل مصدر بهذه الزنة غيرهما ، وقيل : هي صفة مشبهة وفسرت بالمتخير ، و { مِنْ أَمْرِهِمْ } متعلق بها أو بمحذوف وقع حالاً منها ، وجمع الضمير في { لَهُمْ } رعاية للمعنى لوقوع مؤمن ومؤمنة في سياق النفي والنكرة الواقعة في سياقه تعم ، وكان من حقه على ما في الكشاف توحيده كما تقول : ما جاءني من امرأة ولا رجل إلا كان من شأنه كذا : وتعقبه أبو حيان بأن هذا عطف بالواو والتوحيد في العطف بأو نحو من جاءك من شريف أو وضيع أكرمه فلا يجوز إفراد الضمير في ذاك إلا بتأويل الحذف . وجمعه في { أَمَرَهُمْ } مع أنه للرسول صلى الله عليه وسلم أوله ولله عز وجل للتعظيم على ما قيل .
/ وقال بعض الأجلة : لم يظهر عندي امتناع أن يكون عائداً على ما عاد عليه الأول على أن يكون المعنى ناشئة من أمرهم أي دواعيهم السائقة إلى اختيار خلاف ما أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم أو يكون المعنى الاختيار في شيء من أمرهم أي أمورهم التي يعنونها . ويرجح عوده على ما ذكر بعدم التفكيك ورد بأن ذاك قليل الجدوى ضرورة أن الخيرة ناشئة من دواعيهم أو واقعة في أمورهم وهو بين مستغن عن البيان بخلاف ما إذا كان المعنى بدل أمره الذي قضاه عليه الصلاة والسلام أو متجاوزين عن أمره لتأكيده وتقريره للنفي وهذا هو المانع من عوده إلى ما عاد عليه الأول ، والحق أنه لا مانع من ذلك على أن يكون المعنى ما كان للمؤمنين أن يكون لهم اختيار في شيء من أمورهم إذا قضى الله ورسوله لهم أمراً ، ولا نسلم أن ما عد مانعاً مانع فتدبر .
ولعل الفائدة في العدول عن الظاهر في الضمير الأول على ما قال الطيبي الإيذان بأنه كما لا يصح لكل فرد فرد من المؤمنين أن يكون لهم الخيرة كذلك لا يصح أن يجتمعوا ويتفقوا على كلمة واحدة لأن تأثير الجماعة واتفاقهم أقوى من تأثير الواحد ، ويستفاد منه فائدة الجمع في الضمير الثاني على تقدير عوده على ما عاد عليه الأول وكذا وجه إفراد الأمر إذا أمعن النظر وقرأ الحرميان والعربيان وأبو عمرو .
وأبو جعفر . وشيبة . والأعرج . وعيسى . تكون بتاء التأنيث والوجه ظاهر ووجه القراءة بالياء وهي قراءة الكوفيين . والحسن والأعمش . والسلمى أن المرفوع بالفعل مفصول مع كون تأنيثه غير حقيقي ، وقرى كما ذكر عيسى بن سليمان { الخيرة } بسكون الياء { وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ } في أمر من الأمور ويعمل فيه برأيه { فَقَدْ ضَلَّ } طريق الحق { ضلالا مُّبِيناً } أي بين الانحراف عن سنن الصواب ، والظاهر أن هذا في الأمور المقضية على ما يشعر به السوق ، والآية على ما روي عن ابن عباس . وقتادة . ومجاهد . وغيرهم نزلت في زينب بنت جحش من عمته صلى الله عليه وسلم أمية بنت عبد المطلب . وأخيها عبد الله خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لمولاه زيد بن حارثة وقال : إني أريد أزوجك زيد بن حارثة فإني قد رضيته لك فأبت وقالت : يا رسول الله لكنى لا أرضاع لنفسي وأنا أيم قومي وبنت عمتك فلم أكن لأفعل .
وفي رواية أنها قالت : أنا خير منه حسبا ووافقها أخوها عبد الله على ذلك فلما نزلت الآية رضيا وسلما فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيداً بعد أن جعلت أمرها بيده وساق إليها عشرة دنانير وستين درهماً مهراً وخماراً وملحفة ودرعاً وإزاراً وخمسين مدا من طعام وثلاثين صاعا من تمر .
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد أنه قال نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وكانت أول امرأة هاجرت من النساء فوهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فزوجها زيد بن حارثة فحطت هي وأخوها وقالت إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجنا عبده .
ومن باب الإشارة : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيرة مِنْ أَمْرِهِمْ } [ الأحزاب : 36 ] إشارة إلى مقام التسليم وأنه اللائق بالمؤمنين وهذا حكم مستمر على الأمة إلى يوم القيامة فلا ينبغي لأحد بلغه شيء عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم أن يختار لنفسه خلافه لإشعار ذلك باتهام الله تعالى ورسوله عليه الصلاة والسلام .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.