روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَـٰٓؤُاْ شَرَعُواْ لَهُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا لَمۡ يَأۡذَنۢ بِهِ ٱللَّهُۚ وَلَوۡلَا كَلِمَةُ ٱلۡفَصۡلِ لَقُضِيَ بَيۡنَهُمۡۗ وَإِنَّ ٱلظَّـٰلِمِينَ لَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ} (21)

{ أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء } في الكفر وهم الشياطين { شَرَعُواْ لَهُمْ } أي لهؤلاء الكفرة المعاصرين لك بالتسويل والتزيين { مّنَ الدين مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ الله } كالشرك وإنكار البعث والعمل للدنيا . و { أَمْ } منقطعة فيها معنى بل الإضرابية والهمزة التي للتقرير والتقريع والإضراب عما سبق من قوله تعالى : { شَرَعَ لَكُم مّنَ الدين } [ الشورى : 13 ] الخ فالعطف عليه وما اعترض به بين الآيتين من تتمة الأولى ، وتأخير الأضراب ليدل على أنهم في شرع يخالف ما شرعه الله تعالى من كل وجه فالشرك في مقابلة إقامة الدين والاستقامة عليه وإنكار البعث في مقابلة قوله تعالى : { والذين ءامَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الحق } [ الشورى : 18 ] والعمل للدنيا لقوله سبحانه : { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الاخرة } [ الشورى : 20 ] وهذا أظهر من جعل الأضراب عما تقدم من قوله تعالى : { كَبُرَ عَلَى المشركين } [ الشورى : 13 ] كما لا يخفي ، وقيل : شركاؤهم أصنامهم ، وإضافتها إليهم لأنهم الذين جعلوها شركاء لله سبحانه ، وإسناد الشرع إليها لأنها سبب ضلالتهم وافتتانهم كقوله تعالى : { إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا } [ إبراهيم : 36 ] وجوز أن يكون الاستفهام المقدر على هذا للإنكار أي ليس لهم شرع ولا شارع كما في قوله تعالى : { أَمْ لَهُمْ الِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مّن دُونِنَا } [ الأنبياء : 43 ] وأياً ما كان فضمير { شَرَعُواْ } للشركاء وضمير { لَهُمْ } للكفار .

وجوز على تفسير الشركاء بالأصنام أن يكون الأول للكفار والثاني للشركاء أي شرع الكفار لأصنامهم ورسموا من المعتقدات والأحكام ما لم يأذن به الله تعالى كاعتقاد أنهم آلهة وأن عبادتهم تقربهم إلى الله سبحانه ، وكجعل البحيرة والسائبة والوصيلة وغير ذلك ، وهو كما ترى { وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الفصل } أي القضاء والحكم السابق منه تعالى بتأخير العذاب إلى يوم القيامة أو إلى آخر أعمالهم { لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ } أي بين الكافرين والمؤمنين في الدنيا أو حين افترقوا بالعقاب والثواب ، وجوز أن يكون المعنى لولا ما وعدهم الله تعالى به من الفصل في الآخرة لقضى بينهم فالفصل بمعنى البيان كما في قوله تعالى : { هذا يَوْمُ الفصل جمعناكم والأولين } [ المرسلات : 38 ] وقيل : ضمير بينهم للكفار وشركائهم بأي معنى كان { وَإِنَّ الظالمين } وهم المحدث عنهم أو الأعم منهم ويدخلون دخولاً أولياً { لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } في الآخرة . وفي «البحر » أي في الدنيا بالقتل والأسر والنهب وفي الآخرة بالنار .

وقرأ الأعرج . ومسلم بن جندب { وَأَنْ } بفتح الهمزة عطفاً على { كَلِمَةُ الفصل } أي لولا القضاء السابق بتأخير العذاب وتقدير أن الظالمين لهم عذاب أليم في الآخرة أو لولا العدة بأن الفصل يكون يوم القيامة وتقدير أن الظالمين لهم الخ لقضي بينهم ، والعطف على التقديرين تتميم للإيضاح لا تفسيري محض { تَرَى الظالمين } جملة مستأنفة لبيان ما قبل ، والخطاب لكل أحد يصلح له للقصد إلى المبالغة في سوء حالهم أي ترى يا من يصح منه الرؤيا الظالمين يوم القيامة .

ومما قاله أرباب الإشارات في بعض الآيات : { أَمْ لَهُمْ شُرَكَاء شَرَعُواْ لَهُمْ مّنَ الدين مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ الله } [ الشورى : 21 ] يشير إلى كفار النفوس فإنهم شرعوا عند استيلائهم للأرواح والقلوب ما لم يرض به الله تعالى من مخالفات الشريعة وموافقات الطبيعة