روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (200)

{ وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ } النزغ والنسغ والنخس بمعنى وهو إدخال الإبرة أو طرف العصا أو ما يشبه ذلك في الجلد ، وعن ابن زيد أنه يقال : نزغت ما بن القوم إذا أفسدت ما بينهم ، وقال الزجاج : هو أدنى حركة تكون ، ومن الشيطان وسوسته ، والمعنى الأول هو المشهور ، وإطلاقه على وسوسة الشيطان مجاز حيث شبه وسوسته إغراء للناس على المعاصي وإزعاجاً بغرز السائق ما يسوقه ، وإسناد الفعل إلى المصدر مجازي كما في جد جده ، وقيل : النزغ بمعنى النازغ فالتجوز في الطرف ، والأول أبلغ وأولى ، أي إما يحملنك من جهة الشيطان وسوسة ما على خلاف ما أمرت به من اعتراء غضب أو نحوه { فاستعذ بالله } فاستجربه والتجىء إليه سبحانه وتعالى في دفعه عنك { إِنَّهُ سَمِيعٌ } سمع على أكمل وجه استعاذتك قولاً { عَلِيمٌ } يعلم كذلك تضرعك إليه قلباً في ضمن القول أو بدونه فيعصمك من شره ، أو سمع أي مجيب دعاءك بالاستعاذة عليم بما فيه صلاح أمرك فيحملك عليه ، أو سميع بأقوال من آذاك عليم بأفعاله فيجازيه عليها ، والآية على ما نص عليه بعض المحققين من باب { لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ } [ الزمر : 65 ] فلا حجة فيها لمن زعم عدم عصمة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من وسوسة الشيطان وارتكاب المعاصي . وفي «صحيح مسلم » عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما منكم من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة قالوا : وإياك يا رسول الله قال : وإياي إلا أن الله تعالى أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير " وقال آخرون : إن نزغ الشيطان بالنسبة إليه صلى الله عليه وسلم مجاز عن اعتراء الغضب المقلق للنفس ، وفي الآية حينئذٍ زيادة تنفير عن الغضب وفرط تحذير عن العمل بموجبه ، ولذا كرر صلى الله عليه وسلم النهي عنه كما جاء في الحديث ، وفي الأمر بالاستعاذة بالله تعالى تهويل لذلك وتنبيه على أنه من الغوائل التي لا يتخلص من مضرتها إلا بالالتجاء إلى حرم عصمته عز وجل .

( هذا ومن باب الإشارة ) :{ وَإِمَّا يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ فاستعذ بالله } [ الأعراف : 200 ] بالشهود والحضور فإنك ترى حينئذ أن لا فعل لغيره سبحانه ، وهذا إشارة إلى ما يعتري الإنسان أحياناً من الغضب وإيماء إلى علاجه بالاستعاذة قال بعضهم : إن الغضب إنما يهيج بالإنسان إذا استقبح من المغضوب عليه عملاً من الأعمال ثم اعتقد في نفسه كونه قادراً وفي المغضوب عليه كونه عاجزاً ، وإذا انكشف له نور من عالم العقل عرف أن المغضوب عليه إنما أقدم على ذلك العمل لأن الله تعالى خلق فيه داعية وقد سبقت عليه الكلمة الأزلية فلا سبيل له إلى تركه وحينئذ يتغير غضبه . وقد ورد من عرف سر الله تعالى في القدر هانت عليه المصائب ، الاستعاذة بالله تعالى في المعنى طلب الالتجاء إليه باستكشاف ذلك النور ،