الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي - الثعالبي  
{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (200)

قوله عز وجل : { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ فاستعذ بالله إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }[ الأعراف :200 ] .

هذه الآية وصِيَّة من اللَّه سبحانه لنبيِّه صلى الله عليه وسلم تعمُّ أمته رجُلاً رجلاً ، والنَّزْغ : حركةٌ فيها فسادٌ ، قلَّما تستعملُ إِلا في فَعْلِ الشيطان ، لأن حركته مسرِعَةٌ مفسدة ، ومنه قولُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم : ( لاَ يُشِرْ أَحَدُكُمْ عَلَى أخِيهِ بالسِّلاَح ، لاَ يَنْزَغِ الشَّيْطَانُ في يَدِهِ ) ، فالمعنى في هذه الآية : فإِمَّا تَلُمَّنَّ بك لَمَّةٌ من الشيطان ، فاستعذ باللَّه ، وعبارة البخاريِّ : ( يَنْزَغَنَّكَ ) يستَخِفَنَّكَ ، انتهى .

وَنَزْغُ الشيطان عامٌّ في الغَضَبِ ، وتحسينِ المعاصِي ، واكتساب الغوائل ، وغير ذلك ، وفي «جامع الترمذيِّ » عن النبي صلى الله عليه وسلم قالَ : ( إِن لِلْمَلَكِ لَمَّةً ، وللشَّيْطَانِ لَمَّةً . . . . ) الحديث .

قال ( ع ) : عن هاتين اللَّمّتَيْنِ : هي الخواطِرُ من الخير والشر ، فالآخِذُ بالواجبِ يلقى لَمَّةَ المَلَك بالامتثال والاستدامة ، وَلَمَّةَ الشيطانِ بالرفْضِ والاستعاذة ، واستعاذ : معناه : طَلَب أَنْ يُعَاذَ ، وعَاذَ : معناه : لاذ ، وانضوى ، واستجار .

قال الفَخْر : قال ابنُ زيد : " لما نَزَل قوله تعالى : { وَأَعْرِض عَنِ الجاهلين } قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم : ( كَيْفَ يَا رَبِّ ، والغَضَبُ ؟ ) فَنَزَل قولُه : { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ } " ، وقوله : { إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } يدلُّ علَى أن الاستعاذة لا تفيدُ إِلاَّ إِذا حضر في القَلْبِ العِلْمُ بمعنى الاستعاذة ، فكأنه تعالَى قال : اذكر لَفْظَ الاستعاذة بلسانك ، فإني سميعٌ ، واستحضر معاني الاستعاذة بِعَقْلِكَ وقَلْبِك ، فإِني عَليمٌ بما في ضَمِيركَ ، وفي الحقيقة : القوْلُ اللسانيُّ دون المعارفِ العقليَّة ، عديمُ الفائدة والأثر ، انتهى .