نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (200)

ولما كان الشيطان بعداوته لبني آدم مجتهداً في التنفير من هذه المحاسن والترغيب في أضدادها ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد نزع منه حظ الشيطان بطرح تلك العلقة السوداء من قبله إذ شق جبرائيل عليه السلام صدره وغسل قلبه وقال{[34411]} : هذا حظ الشيطان منك ؛ شرع لأمته ما يعصمهم منه عند نزغه مخاطباً له بذلك ليكون أدعى لهم إلى القبول وأجدر باشتداد الخوف المقتضي للفرار المثمر للنجاة ، لأنهم إذا علموا قصد الشيطان لمن نزع منه{[34412]} حظه وعصم من كل محنة علموا أنه لهم أشد قصداً وأعظم كيداً{[34413]} وصداً{[34414]} ، فقال مؤكداً بأنواع التأكيد إشارة إلى شدة قصد الشيطان{[34415]} للفتنة وإفراطه في ذلك ، ليبالغ في الحذر منه وإن كان قصده بذلك في محل الإنكار لعلمه بالعصمة{[34416]} - لذلك{[34417]} عبر بأداة الشك إشارة إلى ضعف كيده للنبي صلى الله عليه وسلم ، لأن الله تعالى أعانه على قرينه فأسلم : { وإما } أي إن ، وأكدت ب { ما } إثباتاً للمعنى ونفياً لضده { ينزغنك } أي ينخسنك نخساً عظيماً { من الشيطان نزغ } أي نخس بوسوسته من شأنه أن{[34418]} يزعج فيسوق إلى خلاف ما تقدم من المحاسن في نحو غضب من جهل الجاهل وسفه السفيه أو{[34419]} إفراط في بعض أوجه{[34420]} كما تساق الدابة بما تنخس به ، فيفسر ويجعل{[34421]} النخس ناخساً إشارة إلى شدته { فاستعذ } أي فأوجد أو اطلب العوذ وهو الاعتصام { بالله } أي الذي له جميع العز والعظمة والقدرة والقهر لا نقطاعك عن الإخوان والأنصار إليه فلا ولي لك ولا ناصر إلا هو ، فإنه إذا أراد إعاذتك ذكرك من{[34422]} عزيز نعمه وشديد نقمه ما يرد عن الفساد رغباً ورهباً ، والآية ناظرة إلى قوله تعالى أولها

{ لأقعدن لهم صراطك المستقيم }[ الأعراف : 16 ] .

ولما أبطل تعالى أن يكون لشركائهم سمع أو علم ، صار إثبات ذلك له كافياً في اختصاصه به من غير حاجة إلى الحصر المتضمن لنفيه عن غيره لتقدمه صريحاً بخلاف ما في فصلت{[34423]} ، فقال معللاً : { إنه سميع } أي بالغ السمع فهو يسمع استعاذتك فيجيبك إن شاء { عليم* } شامل العلم بما تريد ويريد منك عدوك ، فلا يعجزه شيء ، وختم بصفة العلم في الموضعين لأن الوسوسة من باب ما يعلم ، وختمها في سورة المؤمن{[34424]} بالبصير{[34425]} المشتق من البصر{[34426]} والبصيرة ، لأن المستعاذ منه أمر الناس ومنه ما يبصر .


[34411]:- من ظ، وفي الأصل: قد.
[34412]:- من ظ، وفي الأصل: فيه.
[34413]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[34414]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[34415]:- من ظ، وفي الأصل: الشياطين.
[34416]:- زيد من ظ.
[34417]:- زيد من ظ.
[34418]:- زيد من ظ.
[34419]:- زيد من ظ.
[34420]:- في ظ: أوجب.
[34421]:- من ظ، وفي الأصل: جعل.
[34422]:- سقط من ظ.
[34423]:- راجع سورة 41 آية 36.
[34424]:- راجع آية 56.
[34425]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.
[34426]:- سقط ما بين الرقمين من ظ.