اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (200)

قوله تعالى : { وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ } الآية .

قال : عبدُ الرحم بن زيد : لما نزل قوله : " خُذِ العَفْوَ " الآية : قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم " كيف يا رب بالغضب ؟{[17106]} "

فنزل قوله : { وَإِماَّ يَنَزَغَنَّكَ مِنَ الشيطان نَزْغٌ } الآية والنَّزْغُ : أدنى حركة تكونُ ، قاله الزَّجَّاجُ ، ومن الشَّيطان أدنى وسوسة وقال عبد الرحمن بن زيد لما نزلت : قوله وأكثر ما يُسْند للشيطان ؛ لأنه أسرعُ في ذلك وقيل النَّزْغُ الدخول في أمر لإفساده .

وقال الزمخشري{[17107]} : والنَّزغُ والنِّسْغُ : الغَرْزُ والنَّخْسُ ، وجعل النزغ نازغاً كما قيل " جَدَّ جَدُّه " يعني : قصد بذلك المبالغة .

وقيل : النَّزغ : الإزعاج ، وأكثرُ ما يكون عند الغضب وأصله الانزعاج بالحركة إلى الشَّرِّ ، وتقريره : أنَّ الآمر بالمعروف إذا أمر بما يهيج السفيه ويظهر السَّفاهة فعند ذلك أمره اللَّه بالسكوت عن مقابلته فقال : { وَأَعْرِضْ عَنِ الجاهلين } ثُمَّ أمره الله تعالى بما يجري مجرى العلاجِ بهذا المرض إن حدث فقال : فاستَعِذْ باللَّهِ " وهذا الخطابُ وإن كان للرَّسُول إلاَّ أنه عام لَجميع المكلفين . وقد تقدَّم الكلامُ في الاستعاذة ؛ وقوله : { إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } يدلُّ على أنَّ الاستعاذة باللِّسانِ لا تفيدُ إلاَّ إذا حضر في القلب العلم بمعنى الاستعاذة ، فكأنَّه تعالى يقول : اذكر لفظ الاستعاذة بلسانك ، فإني سميع ، واستحضر معنى الاستعاذة بقلبك ، وعقلك فإني عليمٌ بما في ضميرك .


[17106]:أخرجه الطبري في تفسيره (6/155).
[17107]:ينظر: تفسير الزمخشري 2/190.