البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (200)

النزغ أدنى حركة ومن الشيطان أدنى وسوسة قاله الزجاج ، وقال ابن عطية : حركة فيها فساد وقلما تستعمل إلا في فعل الشيطان لأن حركاته مسرعة مفسدة ، وقيل هو لغة الإصابة تعرض عند الغضب ،{ وإما ينزغنّك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم } أي ينخسنك بأن يحملك بوسوسته على ما لا يليق فاطلب العياذة بالله منه وهي اللواذ والاستجارة ، قيل : لما نزلت { خذ العفو } الآية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف والغضب فنزلت ومناسبتها لما قبلها ظاهرة وفاعل ينزغنك هو نزغ على حدّ قولهم جد جده أو على إطلاق المصدر ، والمراد به نازغ وختم بهاتين الصفتين لأنّ الاستعاذة تكون بالنسيان ولاتجدي إلا باستحضار معناها فالمعنى سميع للأقوال عليم بما في الضمائر ، قال ابن عطية : الآية وصية من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم تعم أمته رجلاً رجلاً ونزغ الشيطان عام في الغضب وتحسين المعاصي واكتساب الغوائل وغير ذلك وفي مصنف أبي عيسى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : « إنّ للملك لمة وإن للشيطان لمة » وبهذه الآية تعلق ابن القاسم في قوله : إنّ الاستعاذة عند القراءة أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم انتهى .

واستنباط ذلك من الآية ضعيف لأن قوله : { إنه سميع عليم } جرى مجرى التعليل لطلب الاستجارة بالله أي لا تستعذ بغيره فإنه هو السميع لما تقول أو السميع لما تقوله الكفار فيك حين يرومون إغضابك العليم بقصدك في الاستعاذة أو العليم بما انطوت عليه ضمائرهم من الكيد لك فهو ينصرك عليهم ويجيرك منهم .