تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ ٱلشَّيۡطَٰنِ نَزۡغٞ فَٱسۡتَعِذۡ بِٱللَّهِۚ إِنَّهُۥ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (200)

الآية 200 وقوله تعالى : { وإما ينزغنّك من الشيطان نزغ } قال بعضهم : النّزغة هي أدنى أفعال المعصية ، وكذلك فسّره ابن عباس رضي الله عنه يقول إذا أذنبت ذنبا { فاستعذ بالله } .

وقال القتبيّ { وإما ينزغنّك من الشيطان نزغ } أي يستخفّنّك . ويقال : نزغ شيئا إذا أفسد . وقال أبو عوسجة : النّزغ التحريك للفساد .

وقال بعضهم : { وإما ينزغنّك من الشيطان نزغ } أي يوسوسك الشيطان وسوسة { فاستعذ بالله } ثم في الاستعاذة وجهان .

أحدهما : أمره بالفزع إلى الله عندما يوسوسه الشيطان .

[ والثاني : التجاؤه ]{[9276]} إليه لما يرى{[9277]} نفسه عاجزة عن دفع ما يوسوس إليه ورد ما يكون هو الدافع عنه ذلك ، وهو الراد .

وقال الخليل : أعوذ بالله أي ألجأ إلى الله . وكذلك قوله { فاستعذ بالله } [ وقوله تعالى ]{[9278]} : { معاذ الله } [ يوسف : 23و79 ] معناه : أعوذ بالله . ومنه الإعاذة والتعوّذ والتعويذ /193-ب/ وقال غيره : أعوذ بالله ، أي أمتنع بالله ، أي أتحصّن بالله . وقيل : الاستعاذة هي{[9279]} الاستغاثة بالله تعالى لدفع ما اعترض له من الشيطان . وكله قريب بعضه من بعض .

ثم الحكمة في ما جعل عدوّهم من غير جنسهم من حيث لا يرونه ، ويراهم ، وجهان :

أحدهما : ليكونوا أبدا على التيقّظ والانتباه غير غافلين عنه .

والثاني : ليكونوا أبدا فزعين إلى الله تعالى متضرّعين إليه مبتهلين ليكون هو الحافظ لهم والدافع عنهم شره ووسواسه .

وفي ما أمر بالفزع إلى الله والاستعاذة به عند نزغ الشيطان نقض على المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : قد أعطاهم جميع ما يدفعون به وساوسه ونزغاته حتى لم يبق عنده شيء [ يعيذهم به ]{[9280]} فعلى قولهم يخرّج طلب الإعاذة مخرج كتمان النعمة أو مخرج الهزء به لأنه يسأله ما يعلم أنه ليس ذلك عنده .


[9276]:في الأصل وم: والتجاء.
[9277]:في الأصل وم: رأى.
[9278]:في الأصل وم: و.
[9279]:في الأصل وم: وهو.
[9280]:في الأصل وم: يعيذه.