روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا} (18)

{ وَأَنَّ المساجد لِلَّهِ } عطف على أنه استمع فهو من جملة الموحى والظاهر أن المراد بالمساجد المواضع المعدة للصلاة والعبادة أبي وأوحى إلى أن المساجد مختصة بالله تعالى شأنه { فَلاَ تَدْعُواْ } أي فلا تعبدوا فيها { مَعَ الله أَحَداً } غيره سبحانه وقال الحسن المراد كل موضع سجد فيه من الأرض سواء أعد لذلك أم لا إذا لارض كلها مسجد لهذه الأمة وكأنه أخذ ذلك مما في الحديث الصحيح جعلت لي الأرض مسجداً و طهورا واشتهر أن هذا من خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم أي شريعته فيكون له ولأمته عليه الصلاة والسلام وكان من قبل إنما تباح لهم الصلاة في البيع والكنائس واستشكل بأن عيسى عليه السلام كان يكثر السياحة وغيره من الأنبياء عليهم السلام يسافرون فإذا لم تجز لهم الصلاة في غير ما ذكر لزم ترك الصلاة في كثير من الأوقات وهو بعيد لاسيما في الخضر عليه السلام ولذا قيل المخصوص كونها مسجداً وطهوراً أي المجموع ويكفي في اختصاصه اختصاص التيمم وأجيب بأن المراد الاختصاص بالنسبة إلى الأمم السالفة دون أنبيائها عليهم السلام والخضر ان كان حيا اليوم فهو من هذه الأمة سواء كان نبياً أم لا لخبر لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي وحكمه قبله نبيا ظاهر والأمر فيه غير نبي سهل وقيل المراد بها المسجد الحرام أي الكعبة نفسها أو الحرم كله على ما قيل والجمع لأن كل ناحية منه مسجد له قبلة مخصوصة أو لأنه لما كان قبلة المساجد فإن كل قبلة متوجهة نحوه جعل كأنه جميع المساجد مجازاً وقيل المراد هو وبيت المقدس فقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس لم يكن يوم نزلت وأن المساجد لله الخ في الأرض مسجداً لا المسجد الحرام ومسجد أيليا بيت المقدس وأمر الجمع عليه أظهر منه على الأول لا أنه كالأول خلاف الظاهر وما ذكر لا يتم دليلاً له وقال ابن عطاء وابن جبير والزجاج والفراء المراد بها الأعضاء السبعة التي يسجد عليها واحدها مسجد بفتح الجيم وهي القدمان والركبتان والكفان والوجه أي الجبهة والأنف وروي أن المعتصم سأل أبا جعفر محمد بن علي بن موسى الكاظم رضي الله تعالى عنهم عن ذلك فأجاب بما ذكر وقيل السجدات على أن المسجد بفتح الجيم مصدر ميمي ونقل عن الخليل بن أحمد أن قوله تعالى وأن المساجد بتقدير لام التعليل وهو متعلق بما بعد والمساجد بمعناها المعروف أي لأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً ولما لم تكن الفاء في جواب شرط محقق كانت في الحقيقة زائدة فلا يمتنع تقديم معمول ما بعدها عليها نعم قال غير واحد جيء بها لتضمن الكلام معنى الشرط والمعنى إن الله تعالى يحب أن يوحد ولا يشرك به أحد فإن لم يوحدوه في سائر المواضع فلا تدعوا معه أحداً في المساجد لأن المساجد له سبحانه مختصة به عز وجل فالاشراك فيها أقبح وأقبح ونظير هذا قوله تعالى { لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا } [ 1-3 ] على وجه ولا يعد ذلك من الشرط المحقق ويندفع بما ذكر لزوم جعل الفاء لغواً لأنها للسببية ومعناها مستفاد من اللام المقدرة وقيل في دفعه أيضاً أنها تأكيد للام أو زائدة جيء بها للإشعار بمعناها وأنها مقدرة والخطاب في تدعوا قيل للجن وأيد بما روي عن ابن جبير قال إن الجن قالوا يا رسول الله كيف نشهد الصلاة معك على ناينا عنك فنزلت الآية ليخاطبهم على معنى أن عبادتكم حيث كانت مقبولة إذا لم تشركوا فيها وقيل هو خطاب عام وعن قتادة كان اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله عز وجل فأمرنا أن نخلص لله تعالى الدعوة إذا دخلنا المساجد يعني بهذه الآية وعن ابن جريج بدل فأمرنا الخ فأمرهم أن يوحدوه وسيأتي إن شاء الله تعالى ما يتعلق بذلك أيضاً وقرأ كما في البحر ابن هرمز وطلحة وإن المساجد بكسر همزة إن وحمل ذلك على الاستئناف .