الأولى- قوله تعالى : " وأن المساجد لله " " أن " بالفتح ، قيل : هو مردود إلى قوله تعالى : " قل أوحي إلي " [ الجن : 1 ] أي قل أوحي إلي أن المساجد لله . وقال الخليل : أي ولأن المساجد لله . والمراد البيوت التي تبنيها أهل الملل للعبادة . وقال سعيد بن جبير : قالت الجن كيف لنا أن نأتي المساجد ونشهد معك الصلاة ونحن ناؤون عنك ؟ فنزلت : " وأن المساجد لله " أي بنيت لذكر الله وطاعته . وقال الحسن : أراد بها كل البقاع ؛ لأن الأرض كلها مسجد للنبي صلى الله عليه وسلم ، يقول : ( أينما كنتم فصلوا فأينما صليتم فهو مسجد ) وفي الصحيح : ( وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا ) .
وقال سعيد بن المسيب وطلق بن حبيب : أراد بالمساجد الأعضاء التي يسجد عليها العبد ، وهي القدمان والركبتان واليدان والوجه ، يقول : هذه الأعضاء أنعم الله بها عليك ، فلا تسجد لغيره بها ، فتجحد نعمة الله . قال عطاء : مساجدك : أعضاؤك التي أمرت أن تسجد عليها لا تذللها لغير خالقها . وفي الصحيح عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أمرت أن أسجد على سبعة أعظم : الجبهة - وأشار بيده إلى أنفه - واليدين والركبتين وأطراف القدمين ) . وقال العباس قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا سجد العبد سجد معه سبعة آراب{[15466]} ) . وقيل : المساجد هي الصلوات ، أي لأن السجود لله . قاله الحسن أيضا . فإن جعلت المساجد المواضع فواحدها مسجد بكسر الجيم ، ويقال بالفتح ، حكاه الفراء . وإن جعلتها الأعضاء فواحدها مسجد بفتح الجيم . وقيل : هو جمع مسجد وهو السجود ، يقال : سجدت سجودا ومسجدا ، كما تقول : ضربت في الأرض ضربا ومضربا بالفتح : إذا سرت في ابتغاء الرزق . وقال ابن عباس : المساجد هنا مكة التي هي القبلة وسميت مكة المساجد ؛ لأن كل أحد يسجد إليها . والقول الأول أظهر هذه الأقوال إن شاء الله ، وهو مروي عن ابن عباس رحمه الله .
الثانية- قوله تعالى : " لله " إضافة تشريف وتكريم ، ثم خص بالذكر منها البيت العتيق فقال : " وطهر بيتي " [ الحج : 26 ] . وقال عليه السلام : ( لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد ) الحديث خرجه الأئمة . وقد مضى الكلام{[15467]} فيه . وقال عليه السلام : ( صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ) . قال ابن العربي : وقد روى من طريق لا بأس بها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( صلاة في مسجدي هذا{[15468]} خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام ، فإن صلاة فيه خير من مائة صلاة في مسجدي هذا ) ولو صح هذا لكان نصا .
قلت : هو صحيح بنقل العدل عن العدل حسب ما بيناه في سورة " إبراهيم " {[15469]} .
الثالثة- المساجد وإن كانت لله ملكا وتشريفا فإنها قد تنسب إلى غيره تعريفا ، فيقال : مسجد فلان . وفي صحيح الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سابق بين الخيل التي أضمرت من الحفياء{[15470]} وأمدها ثنية الوداع ، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق . وتكون هذه الإضافة بحكم المحلية كأنها في قبلتهم ، وقد تكون بتحبيسهم ، ولا خلاف بين الأمة في تحبيس المساجد والقناطر والمقابر وإن اختلفوا في تحبيس غير ذلك .
الرابعة- مع أن المساجد لله لا يذكر فيها إلا الله فإنه تجوز القسمة فيها للأموال . ويجوز وضع الصدقات فيها على رسم الاشتراك بين المساكين وكل من جاء أكل . ويجوز حبس الغريم فيها ، وربط الأسير والنوم فيها ، وسكنى المريض فيها ، وفتح الباب للجار{[15471]} إليها ، وإنشاد الشعر فيها إذا عري عن الباطل . وقد مضى هذا كله مبينا في سورة " التوبة " . و " النور " {[15472]} وغيرهما .
الخامسة- قوله تعالى : " فلا تدعوا مع الله أحدا " هذا توبيخ للمشركين في دعائهم مع الله غيره في المسجد الحرام . وقال مجاهد : كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله ، فأمر الله نبيه والمؤمنين أن يخلصوا لله الدعوة إذا دخلوا المساجد كلها . يقول : فلا تشركوا فيها صنما وغيره{[15473]} مما يعبد . وقيل : المعنى أفردوا المساجد لذكر الله ، ولا تتخذوها هزوا ومتجرا ومجلسا ، ولا طرقا ، ولا تجعلوا لغير الله فيها نصيبا . وفي الصحيح : [ من نشد ضالة في المسجد فقولوا لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا ] وقد مضى في سورة " النور " ما فيه كفاية من أحكام المساجد والحمد لله .
السادسة- روى الضحاك عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم : كان إذا دخل المسجد قدم رجله اليمنى . وقال : [ " وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا " اللهم أنا عبدك وزائرك وعلى كل مزور حق وأنت خير مزور فأسألك برحمتك أن تفك رقبتي من النار ] فإذا خرج من المسجد قدم رجله اليسرى ، وقال : [ اللهم صب علي الخير صبا ولا تنزع عني صالح ما أعطيتني أبدا ولا تجعل معيشتي كدا ، واجعل لي في الأرض جدا{[15474]} ] أي غنى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.