فتح البيان في مقاصد القرآن للقنوجي - صديق حسن خان  
{وَأَنَّ ٱلۡمَسَٰجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدۡعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَدٗا} (18)

{ وأن المساجد لله } أي وأوحي إليّ أن المساجد مختصة بالله ، وقال الخليل التقدير ولأن المساجد ، والمساجد المواضع التي بنيت للصلاة فيها ، جمع مسجد بكسر الجيم وهو موضع السجود ، قال سعيد بن جبير : قالت الجن كيف لنا أن نأتي المساجد ونشهد معك الصلاة ونحن ناؤون فنزلت ، وقال الحسن أراد بها كل البقاع لأن الأرض جعلت كلها مسجدا للنبي صلى الله عليه وسلم ، وقال سعيد بن المسيب وطلق بن حبيب أراد بالمساجد الأعضاء التي يسجد عليها العبد ( {[1643]} ) ، وهي القدمان والركبتان واليدان والجبهة والأنف ، وهو على هذا جمع مسجد بالفتح يقول هذه أعضاء أنعم الله بها عليك فلا تسجد بها لغيره فتجحد نعمة الله ، وكذا قال عطاء وقيل المساجد هي الصلاة لأن السجود من جملة أركانها قاله الحسن ، قال ابن عباس : لم يكن يوم نزلت هذه الآية في الأرض مسجد إلا المسجد الحرام ومسجد إيليا ببيت المقدس ، وقيل المراد بها البيوت التي تبنيها أهل الملل للعبادة ، والقول بأنها البيوت المبنية للعبادة أظهر الأقوال إن شاء الله تعالى وهو مروي عن ابن عباس ، وإضافة المساجد إلى الله إضافة تشريف وتكريم وقد تنسب إلى غيره تعريفا ، قال صلى الله عليه وسلم " صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام " ( {[1644]} ) ذكره القرطبي .

{ فلا تدعوا } أي فلا تعبدوا { مع الله أحدا } من خلقه كائنا من كان ، هذا توبيخ للمشركين في دعائهم مع الله غيره في المسجد الحرام ، قال مجاهد كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا بالله ، فأمر الله نبيه والمؤمنين أن يخلصوا لله الدعوة إذا دخلوا المساجد كلها ، يقول فلا تشركوا فيها صنما أو غيره مما يعبد ، وقيل المعنى أفردوا المساجد بذكر الله تعالى ولا تجعلوا لغير الله تعالى فيها نصيبا ، وفي الصحيح " من نشد ضالة في المسجد فقولوا لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا " .


[1643]:ومنه قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة (وأشار بيده إلى أنفه)، واليدين، والركبتين، وأطراف القدمين".
[1644]:صحيح الجامع /2733.