روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي - الآلوسي  
{بَلِ ٱلۡإِنسَٰنُ عَلَىٰ نَفۡسِهِۦ بَصِيرَةٞ} (14)

{ بَلِ الإنسان على نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ } أي حجة بينة واضحة على نفسه شاهدة بما صدر عنه من الأعمال السيئة كما يؤذن به كلمة على والجملة الحالية بعد فالإنسان مبتدأ وعلى نفسه متعلق ببصيرة بتقدير أعمال أو المعنى عليه من غير تقدير وبصيرة خبر وهي مجاز عن الحجة البينة الواضحة أو بمعنى بينة وهي صفة لحجة مقدرة هي الخبر وجعل الحجة بصيرة لأن صاحبها بصير بها فالإسناد مجازي أو هي بمعنى دالة مجازاً وجوز أن يكون هناك استعارة مكنية وتخييلية والتأنيث للمبالغة وأو لتأنيث الموصوف أعني حجة وقيل ذلك لإرادة الجوارح أي جوارحه على نفسه بصيرة أي شاهدة ونسب إلى القتبي وجوز أن يكون التقدير عين بصيرة وإليه ذهب الفراء وأنشد :

كأن على ذي العقل عيناً بصيرة *** بمجلسه أو منظر هو ناظره

يحاذر حتى يحسب الناس كلهم *** من الخوف لا يخفي عليهم سرائره

وعليه قيل الإنسان مبتدأ أول وبصيرة بتقدير عين بصيرة مبتدأ ثان وعلى نفسه خبر المبتدأ الثاني والجملة خبر المبتدأ الأول واختبار أبو حيان أن تكون بصيرة فاعلا بالجار والمجرور وهو الخبر عن الإنسان وعمل بالفاعل لاعتماده على ذلك وأمر التأنيث ظاهر وبل للترقي على الوجهين إرادة حجة بصيرة وإرادة عين بصيرة والمعنى عليهما ينبؤ الإنسان بأعماله بل فيه ما يجزي عن الأنباء لأنه عالم بتفاصيل أحواله شاهد على نفسه بما عملت لأن جوارحه تنطق بذلك { يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون } [ النور : 24 ] وفي كلا الوجهين كما قيل شائبة التجريد وهي في الثاني أظهر .