التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ ءَأَنذَرۡتَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تُنذِرۡهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ} (6)

قوله تعالى : ( إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم ( الكفر معناه الجحد ، وهو أن يجحد الكافر نعمة الله وفضله فيقابله بالعصيان والإنكار ، ويأتي بمعنى الستر والتغطية ، فالكافرون هم الذين يسترون الحق ويغطونه بغشاء الباطل لسوء في طبائعهم ومرض في قلوبهم ، والكفار هم الزراع الذين يغطون الحب في الأرض بعد شقها ليستروه بالتراب ، وفي ذلك يقول سبحانه : ( كمثل غيث أعجب الكفار نباته ( أي أن النبات قد أعجب الزراع الذين طمروا حباته في الأرض .

قوله : ( سواء عليهم ءأنذرتهم ( سواء مبتدأ ( ءأنذرتهم ( وما بعده خبر ، والتقدير : سواء عليهم الإنذار وعدمه ، والهمزة ، الأصل فيها الاستفهام ، والمراد بها هنا التسوية ، وأنذرتهم فعل وفاعل ومفعول ، وأم ، عاطفة . {[19]}

وفي هذه الآية إنباء عن فريق من الكافرين قد سبق في علم الله أنه سيموت على الكفر ، وأن هذا الفريق ( سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون ( سواء معناها معتدل ، أي يتساوى ويعتدل عند هؤلاء الجاحدين أن يستمعوا للنذير أو لا يستمعوا فإنهم فئة من الخلق ميؤوس منها فلن تؤمن أبدا ، وذلك تمشيا مع علم الله في الأزل أن هؤلاء سيمضون في طريق الكفر مختارين ، وبناء على ذلك فإن قوله : ( إن الذين كفروا( يفيد بظاهره العموم ، لكنه يراد به الخصوص ، وقيل : إن الآية نزلت في كبراء اليهود الضالين أو في آخرين غيرهم ممن ماتوا على الكفر ، إلا أن القول الأول هو الذي نطمئن إليه ، والله سبحانه أعلم .


[19]:الدر المصون جـ 1 ص 105.