التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٖ لَّا تَحۡمِلُ رِزۡقَهَا ٱللَّهُ يَرۡزُقُهَا وَإِيَّاكُمۡۚ وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ} (60)

قوله : { وَكَأَيِّن مِن دَابَّةٍ لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ } كأين في موضع رفع مبتدأ بمنزلة ( كم ) . و { مِن دَابَّةٍ } تبيين له . و { لا تَحْمِلُ } في موضع جر صفة لدابة . { اللهُ } : مبتدأ ، وخبره الجملة ، { يَرْزُقُهَا } . والجملة من المبتدأ والخبر في موضع رفع خبر كأين{[3579]} والدابة ، والدبيب : كل ماش على الأرض{[3580]} ، وقال ابن عباس : الدواب كل ما دب من الحيوان ، فكله لا يحمل رزقه ولا يدخر إلا ابن آدم والنمل والفأر .

وفي الآية يدعو الله جل وعلا المؤمنين به وبرسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يهاجروا على حيث العبادة والطاعة والتزام شرع الله في أمن وطمأنينة ، مجانبين الفتنة والضلال ، ويدعوهم أيضا أن يجاهدوا الكافرين الذين يحادون الله ورسوله ويكيدون للإسلام والمسلمين كيدا ، وأن لا يخشوا افتقارا أو قلة ؛ فإنما رزقهم على الله ، يرزق من يشاء بغير حساب . وهو سبحانه الخالق الرازق لا ينسى من فضله أحدا من خلقه ؛ فكم من دابة محتاجة إلى غذاء وشراب { لا تَحْمِلُ رِزْقَهَا } أي لا تحمل معها غذاءها فتخزنه لغدها ؛ فإنها عاجزة عن فعل ذلك { اللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ } يتساوى المرزوقون في تحصيل الرزق ، الحريصون منهم أو المتوكلون ، والراغبون أو القانعون ، والجادون أو العاجزون ، فكل مرزوق بفضل الله وتقديره . وفي الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : " لو أنكم توكّلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ، تغدو خماصا وتروح بطانا " .

قوله : { وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } الله يسمع قولكم : نخشى بالهجرة ومفارقة الأوطان أن نفتقر ويمسنا البؤس والحاجة . وهو يعلم ما تخفونه في قلوبكم وما أنتم صائرون إليه{[3581]} .


[3579]:البيان لابن الأنباري ج 2 ص 246.
[3580]:مختار الصحاح ص 197، وأساس البلاغة ص 181.
[3581]:تفسير الطبري ج 21 ص 7-8، والكشاف ج 3 ص 211.