التفسير الشامل لأمير عبد العزيز - أمير عبد العزيز  
{وَٱلَّـٰتِي يَأۡتِينَ ٱلۡفَٰحِشَةَ مِن نِّسَآئِكُمۡ فَٱسۡتَشۡهِدُواْ عَلَيۡهِنَّ أَرۡبَعَةٗ مِّنكُمۡۖ فَإِن شَهِدُواْ فَأَمۡسِكُوهُنَّ فِي ٱلۡبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّىٰهُنَّ ٱلۡمَوۡتُ أَوۡ يَجۡعَلَ ٱللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلٗا} (15)

قوله تعالى : ( والتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم فإن شهدوا فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل الله لهن سبيلا ) .

اللاتي مفردها التي واللاتي في محل رفع على الابتداء . والمقصود هنا . النساء اللواتي يقترفن الفاحشة وهي الزنا . وقد كان الحكم في بدء الإسلام أن المرأة إذا ثبت زناها بالبينة أو الإقرار حبست في بيتها فلا تخرج حتى تموت . وقوله : ( أو يجعل الله لهن سبيلا ) أي يظللن هكذا في الحكم بالحبس أو يبدل ذلك الحكم بالسبيل وهو الناسخ . وقد جاء الناسخ في سورة النور حيث يقول سبحانه وتعالى : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحدة منهما مائة جلدة ) . وقد روى أحمد عن عبادة بن الصامت عن النبي ( ص ) قال : " خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام والثيب بالثيب جلد مائة والرجم " وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الثيب الزاني إنما يرجم فقط من غير جلد ذلك أن النبي ( ص ) قد رجم ماعزا والغامدية واليهوديين لمقارفتهم الزنا من غير أن يجلدهم قبل ذلك . وفي ذلك دلالة على أن الجلد غير حتم بل هو منسوخ .

وذهب آخرون إلى اجتماع الجلد مع الرجم وهو قول الحسن البصري وإسحاق وداود بن علي الظاهري . وهي إحدى الروايتين عن الحنابلة . فقد ذهب هؤلاء إلى أن الجلد ينبغي اجتماعه مع الرجم . واحتجوا بعموم قوله تعالى : ( الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ) فهذا يعم جميع الزناة . لكن السنة جاءت بالرجم في حق الثيب والتغريب في حق البكر فوجب الجمع بينهما . وقد ذكر عن علي رضي الله عنه أنه جلد شراحة الهمدانية مائة ورجمها بعد ذلك . وقال : " جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله ( ص ) " {[711]} .


[711]:- المغني جـ 8 ص 160 والأنوار جـ 2 ص 500 والمهذب جـ 2 ص 272 وأسهل المدارك جـ 3 ص 164 وأحكام القرآن لابن العربي جـ 1 ص 359 والهداية جـ 2 ص 97.