التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور  
{مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ} (2)

استئناف ابتدائي للانتقال من إنشاء الشتم والتوبيخ إلى الإِعلام بأنه آيس من النجاة من هذا التباب ، ولا يغنيه ماله ، ولا كسبه ، أي لا يغني عنه ذلك في دفع شيء عنه في الآخرة .

والتعبير بالماضي في قوله : { ما أغنى } لتحقيق وقوع عدم الإِغناء .

و { ما } نافية ، ويجوز أن تكون استفهامية للتوبيخ والإِنكار .

والمال : الممتلكات المتمولة ، وغلب عند العرب إطلاقه على الإِبل ، ومن كلام عمر : « لولاَ المال الذي أحمل عليه في سبيل الله » الخ في اتقاء دعوة المظلوم ، من « الموطأ » ، وقال زهير :

صحيحات مالٍ طالعات بمخرَم

وأهل المدينة وخيبر والبحرين يغلب عندهم على النخيل ، وقد تقدم عند قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } في سورة النساء ( 29 ) وفي مواضع .

{ وما كسب } موصول وصلته والعائد محذوف جوازاً لأنه ضمير نصب ، والتقدير : وما كسبه ، أي ما جمعه . والمراد به : ما يملكه من غير النعَم من نقود وسلاح وربْع وعُروض وطعام ، ويجوز أن يراد بماله : جميع ماله ، ويكون عطف { وما كسب } من ذكر الخاص بعد العام للاهتمام به ، أي ما أغنى عنه ماله التالد وهو ما ورثه عن أبيه عبد المطلب وما كسبه هو بنفسه وهو طريفُه .

وروي عن ابن مسعود أن أبا لهب قال : « إن كان ما يقول ابن أخي حقاً فأنا أفتدي نفسي يوم القيامة بمالي وولدي » فأنزل الله : { ما أغنى عنه ماله وما كسب } وقال ابن عباس : { ما كسب } هو ولده فإن الولد من كسب أبيه .