السراج المنير في تفسير القرآن الكريم للشربيني - الشربيني  
{مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ} (2)

ولما دعا صلى الله عليه وسلم أقربيه إلى الله تعالى وخوّفهم ، قال أبو لهب : إن كان ما يقول ابن أخي حقاً فإني أفتدي نفسي بمالي وولدي ، فأنزل الله تعالى : { ما أغنى عنه } أي : عن أبي لهب { ماله } ، أي : الكثير الذي جرت العادة أنه منج من الهلاك ، فإنه كان صاحب مواش كثيرة . { وما كسب } ، أي : من الولد والأصحاب والعز بعشيرته التي كان يؤذي بها النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وكان ابنه عتبة شديد الأذى للنبيّ صلى الله عليه وسلم ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم : " اللهمّ سلط عليه كلباً من كلابك " ، فكان أبو لهب يعرف أن هذه الدعوة لا بدّ أن تدركه ، فسافر إلى الشأم ، فأوصى به الرفاق لينجوه من هذه الدعوة ، فكانوا يحدقون به إذا نام ليكون وسطهم ، والحمول محيطة به ، وهم محيطون بها ، والركاب محيطة بهم ، فلم ينفعهم ؛ بل جاء الأسد فتشمم الناس حتى وصل إليه فاقتلع رأسه " ، وإنما كان الولد من الكسب لقوله صلى الله عليه وسلم :«أطيب ما يأكل أحدكم من كسبه ، وإنّ ولده من كسبه » .

تنبيه : ( ما ) في { ما أغنى } يجوز فيها النفي والاستفهام ، فعلى الاستفهام تكون منصوبة المحل بما بعدها ، التقدير : أي شيء أغنى المال ؟ وقدم لكونه له صدر الكلام ، ويجوز في ( ما ) في قوله تعالى : { وما كسب } أن تكون بمعنى الذي فالعائد محذوف ، وأن تكون مصدرية ، أي : وكسبه ، وأغنى بمعنى يغني .