إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود - أبو السعود  
{مَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُ مَالُهُۥ وَمَا كَسَبَ} (2)

{ مَا أغنى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ } أيْ لَمْ يُغنِ عنْهُ حينَ حَلَّ بهِ التبابُ ، على أنَّ ( ما ) نافيةٌ ، أو أيُّ شيءٍ أغنَى عنْهُ على أنَّها استفهاميةٌ في مَعْنى الإنكارِ منصوبةٌ بمَا بعدَها أصلُ مالِه وما كسبَهُ مِنَ الأرباحِ والنتائجِ والمنافعِ والوجاهةِ والأتباعِ ، أو مالُه الموروثُ من أبيهِ ، والذي كسبَهُ بنفسِه ، أو عملُه الخبيثُ الذي هُو كيدُه في عداوةِ النبيِّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ ، أو عملُه الذي ظَنَّ أنَّه منْهُ على شيءٍ ، كقولِه تعَالَى : { وَقَدِمْنَا إلى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً } [ سورة الفرقان ، الآية 23 ] . وعَنِ ابنِ عباسٍ رضيَ الله عنهُمَا : ما كسبَ ولدُهُ ، ورُويَ أنه كانَ يقولُ : إنْ كانَ ما يقولُ ابنُ أخِي حقاً فأنَا أفتدِي منْهُ نفسِي بمالِي وولدِي ، فأستخلصُ منهُ . وقد خابَ مرجاهُ ، وما حصلَ ما تمناهُ ، فافترسَ ولدَهُ عتبةَ أسدٌ في طريقِ الشامِ بينَ العيرِ المكتنفةِ بهِ ، وقدْ كانَ عليهِ السلامُ دعَا عليهِ وقالَ : «اللهمَّ سلطْ عليهِ كلباً من كلابكَ » ، وهلك نفسه بالعدسةِ بعدَ وقعةِ بدرٍ لسبعِ ليالٍ ، فاجتنبَهُ أهلُهُ مخافةَ العدوَى ، وكانتْ قريشٌ تتقيهَا كالطاعونِ ، فبقَي ثلاثاً حتى أنتنَ ، ثم استأجرُوا بعضَ السودانِ فاحتملُوه ودفنُوه ، فكانَ الأمرُ كما أخبرَ بهِ القرآنُ .